شحّهم عليكم إنما هو لأن أنفسهم شحيحة بالخير أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً فإن من شأن النفاق أن يحبط الله به الأعمال فلا ثواب لها.
ثم بينّ الله شدّة خوفهم وجبنهم فقال: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ- يعني مرة ثانية- يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي مقيمون في البادية حتى لا يصيبهم أذى يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ، وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا يعني أنهم حتى وهم مقيمون بالبادية لا يجرؤون أن يتعرفوا أخباركم بأنفسهم، بل يتعرّفونها ممن يأتي من ناحيتكم، ومثل هؤلاء لا ترجون قتالهم معكم ونصرتهم لكم، لأنهم إن قاتلوا فمرااة وسترا لنفاقهم وتضليلا لغيرهم.
ثم أقبل على المؤمنين فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً الأسوة بضم الهمزة وكسرها:
القدوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محل القدوة في الصبر والشدائد، والثبات في الحروب، والصدق عند اللقاء، وفي كل شيء محل الائتساء، وإنما يأتسي برسول الله الذين يرجون رحمة الله وثواب الاخرة، ولا ينفكون عن ذكر الله، ومثل هؤلاء قلوبهم حاضرة، وضمائرهم حية، وأعمالهم كلها خير وصلاح.
ثم ذكر الله سبحانه المؤمنين وصدقهم في عقيدتهم، وتصديقهم بما وعدهم الله ورسوله مهما عظم البلاء، وأن ذلك لا يزيدهم إلا ثباتا على الإيمان، وصبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، فقال سبحانه: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا:
هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً فانظر الفرق بين الصورتين: صورة المؤمنين المشرقة، وصورة المنافقين المخزية.
ثم بيّن سبحانه أن من المؤمنين من سبق إلى الشهادة، ووفى بعهده، وأن منهم من ينتظرها ويترقبها، وأن هؤلاء وأولئك صدقوا الله بالإيمان، وثبتوا على الوفاء، فقال عزّ شأنه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا النحب: النذر اللازم،