للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذ ظاهره يدل على خطأ في الرسم؟ قلت: هذا لا يصح فإن في إسناده اضطرابًا وانقطاعًا، كيف وفيه من الطعن على عثمان مع علو محله من الدين وشدة اجتهاده في بذل النصيحة ما لا يخفى! فلا يمكن أني قال إنه جمع المصاحف مع سائر الصحابة الأخيار نظرًا للأمة ثم يترك لهم فيه لحنًا يتولى أمره من يأتي بعده ممن لا شك أنه لا يدرك مداه، ولو صح يراد باللحن التلاوة، إذ كثير منه لو تلى على حال رسم لانقلب معنى التلاوة دون الرسم وتغير اللفظ نحو "لا أذبحنه" "ولا أوضعوا" و"من نباي المرسلين" و"الربوا" ونحوه مما زيدت اللف والياء والواو في رسمه، لو تلاه تال لا معرفة له بحقيقة الرسم على حال صورته في الخط يصير الإيجاب نفيًا وزاد في اللف ما ليس فيه، فأعلم عثمان أن من فاته تمييز ذلك وغر عن معرفته ممن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم فيعرفونه بحقيقة تلاوته ويدلونه على صواب رسمه، وروى في آخر هذا الخبر: لو كان الكاتب من ثقيف والمملى من هزيل لم يوجد فيه هذه الحروف، ومعناه لن نوجد فيه مرسومة بتلك الصور المثبتة على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك، إذ كانت قريش ومن ولى نسخ المصاحف قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة وسلكوا فيها تلك الطريقة، ولم تكن ثقيف وهزيل تستعملان ذلك، فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدم لرسمتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللف والنطق دون المعاني غذ ذلك هو المعهود عندهما، وروى أن عروة سأل عائشة عن لحن القرآن "أن هذان لساحران" وعن "مقيمي الصلاة" و"المؤتون الزكاة"، فقالت: هذا عمل الكاتب، أخطأوا في الكتاب، وهي قراءات معروفة فتسميتها لحنًا خطأ ومجاز اتساعًا، إذ كان ذلك مخالفًا لمذهبها وخارجًا عن اختيارها، وقد يأول قول عائشة بأنهم أخطأوا في اختيار حرف من الأحرف السبعة يجمع الناس عليه، ويأول اللحن بأنه بمعنى القراءة واللغة، فإن قيل: ما السبب لعثمان في جمعه في المصاحف وقد كان مجموعًا في الصحف؟ قلت: إن أبا بكر جمعه على السبعة الأحرف

<<  <  ج: ص:  >  >>