لقضائه فكتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه- انتهى؛ أقول: من تتبع أحوال الصحابة في السير والأحاديث يجدها شاهد صدق على ما قاله، فكم من سراق وزناة جبى بهم فلم يستطع إلا أن أقر وتاب بمجرد حضور مجلسه! وكم من الخصوم في الدعاوى أقر بالحق بمجرد سماع زواجر الحق! وهل سمعت في سائر الأزمان أحدًا تاب وأقر على نفسه بالزنا وعرضها للحد حزمًا لها من عذاب الآخرة وفضيحتها ولم يكتف بالمغفرة بالتوبة إيثارًا للأحوط! كحال أبناء الدنيا يؤثرون ما يحسبونه أحوط في تحصيل معاشهم وأرزاقهم ولم يكتفوا بموعد ربهم بإيصال مرادهم، فلشدة حرصهم على الدنيا غفلوا عن المواعيد المؤكدة بالأيمان، فهكذا أولئك لرجال عاينوا بصحبته الشريفة فضائح المحشر فغفلوا عن وعد الغفران بالتوبة، أو جوزوا عدم وجدان شرائطها فأثروا الأحوط، ولعمري! لقد كانت أنوار تقواهم باهرة على قلوبهم بحيث ينكشف حينًا إذا مشوا في ل الدياجي في مهامهم وذلك "نورهم يسعى بين أيديهم" حشرنا الله في زمرتهم وأفاض علينا من بركاتهم وتاب علينا بمحبتهم. ك: ثم إن الثواب ليس بلازم أن يكون على قدر المشقة، ألا ترى أن في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما ليس في كثير من العبادات الشاقة! ونحوها ما قال العلماء إن إدراك صحبة النبي لحة خير وفضيلة لا يوازيها عمل ولا ينال درجتها بشيء. غير: فإن قيل: مثل أمتي كالمطر- ينافي تفضيل الصحابة مطلقًا! قلت: أجاب عنه في التلويح بأن الخيرية تختلف بالإضافات والاعتبارات، فالقرون السابقة خير بنيل شرف العهد به صلى الله عليه وسلم ولزوم سيرة العدل واجتناب المعصية، وأما باعتبار كثرة الثواب ونيل الدرجات في الآخرة فلا يدري أن الأول خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الأخير لإيمانه بالغيب طوعًا والتزامه طريق السنة مع فساد الزمان - ومر في أمم. ط: لا يريد به التردد في فضل الأولين فإنه مقطوع به بل في النفع في بث الشريعة