على من بعدهم، وهل الأفضلية للمجموع أو الأفراد؟ وإلى الثاني ذهب الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، والذي يظهر أن من قاتل معه صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بإذنه أو أنفق شيئًا من ماله لا يعدله أحد كائنًا من كان، والخلاف في غيره، لقوله تعالى:"لا يستوي منكم من أنفق -إلخ"، واحتج ابن عبد البر بحديث: أمتي كالمطر، وبأن السبب في أفضلية الأول أنهم غرباء في الإيمان لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم، فكذلك في الآخر أقاموا الدين وصبروا على الطاعة حين ظهر المعاصي والبدع فصاروا غرباء، لحديث: بدأ الإيمان غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء! والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة ومشاهدة الرسول لا يعدلها عمل؛ وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة والنصرة وضبط للشرع وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما من خصلة منها إلا وللذي سبق بها أجر من عمل بها من بعده فإنه لا يعدله، فيظهر محل الخلاف فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة؛ على أن حديث: للعامل منهم أجر خمسين منكم، لا يدل على أفضلية غير الصحابة، لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. ز: وإنما أطنبت الكلام لما حكي عن بعض أفاضل العصر: يجوز كون بعض عالم هذا الزمان أفضل من بعض عوام الصحابة ممن لم يصحبه كثيرًا ولم يغز معه، وكذا زعم هذه الفرقة الغاوية المرادية أن متبوعهم أفضل على من هو أفضل العالمين بعد الأنبياء والمرسلين الصديق الأكبر، وأعجب منه ما حدثنا شيخنا الشيخ برهان الدين السوهي الذي صحب ذلك المتبوع في سفره إلى قندار أنهم يفضلون متبوعهم على سيد الرسل لا بوجه بل كفضل حال الشمس في الاستواء على حالها عند الطلوع، ويؤيده ما حدثنا ثقة عن الشيخ غياث البهروجي بواسطة أو بغيرها أنه حين توجه إلى زيارة المدينة رأى في رؤيا في طريقه أن النبي صلى الله عليه وسلم منعه عن التوجه إليه إلا بعد أن يتوب عن عقيدته في دعوى المهدية، فلما استيقظ قال: لا حاجة إلى التوسل بزيارته، فرجع عن وسط الطريق ولم يزر المدينة المشرفة، فإن صدق