للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتقدمين في الترجمات الفلسفية، وابن باجه وابن طفيل وابن رشد في الطبقة الثانية. ولكل منهم مذهب واحد في الحقيقة وإن اختلفوا في العرض، ما داموا أخذوا جميعاً بالأفلاطونية الحديثة. وحاول الكثيرون منهم التوفيق بين أرسطو وأفلاطون (١) إلا أن الفلسفة الإسلامية منيت بعقبات كان من العسير تذليلها إذ تمثل أصحابها تراث اليونان وجمعوا بعضه إلى بعض، وحاولوا التوفيق بينه وبين الدين. وأبدعوا منه نظريات ومذاهب اختلفوا فيها اختلافاً كبيراً فعل مدرسة الإسكندرية من قبلهم ويهود إسبانيا من بعدهم ونصارى أوربا الذين أخذوا عنهم. مما حمل الكنيسة على تحريم فلسفة أرسطو وشروح ابن رشد عليه في أشهر معاقلها وهي جامعة باريس.

لقد انتقلت الفلسفة من مدرسة شارتر (١١١٧) إلى جامعة باريس (١٢٠٠) التزلزل عقائد طلابها. فأسرعت الكنيسة إلى تحريم قراءة كتابي ما وراء الطبيعة، والفلسفة الطبيعية لأرسطو والشروح عليهما (١٢١٠ - ١٢١٥ - ١٢٤٠) ولما عادت جامعة باريس إلى تعليمهما (١٢٥٥) أعادت الكنيسة تحريمهما (١٢٦٣) ولكن الحرمان لم ينفذ لتأكيد توما الأكويني لها بأنه من الممكن تطهيرهما (١٢٦٦) ثم أصبحت لجنة الامتحان البابوية تحتم على الطلاب درس أرسطو دراسة وافية النيل الشهادة.

أما فلسفة ابن رشد فكان أثرها في المسيحية أشد منه في الإسلام فقد اضطهده معاصروه اضطهاداً أضاع أصول معظم كتبه العربية وسلمت ترجماتها بالعبريه. وطفق الأوربيون يحملون على فلسطين ويستعيدون إسبانيا وصقلية، حتى إذا نقلوا من الثقافة العربية فلسفة أرسطو وأبن سينا وابن رشد وغيرهم انبثت النزعة العقلية في أوربا ونالت من معتقدها واختلف رجال الدين فيها. وأول من نشر فلسفة ابن رشد: ميخائيل سكوت، وموريس الإسباني، واسكندر الحاليسي. فوجدها وليم الأوفرني، أسقف باريس، وكان يناصر البحث العلمي، قد استحوذت على عدد كبير من طلاب جامعة باريس (١٢٤٠) وراحوا يلتهمون نتائجها دونما تمحيص، وأغرقوا فيها (١٢٥٦) فروع البابا ألكسندر الرابع وكلف

ألبير الكبير أن يكتب رسالة في وحدة العقل للرد عليها، والذهاب إلى معاجة باريس لمناهضتها، فأناب عنه توما الأكويني. وكان سيجر دي برابان (١٢٣٥ - ١٢٨١) كاهناً متبحراً في العلم مطلعاً على الفلسفتين الإسلامية واليهودية، فتزعم الحركة الرشدية في جامعة باريس وبلغ بها الذروة (١٢٦٦ - ١٢٧٦) على الرغم من انتصار توما الأكويني على الرشدية أنتصاراً أدى إلى تحريمها (١٢٤٢ - ١٢٧٠) وإلى إدانة سيجر (١٢٧٧) وسجنه في رومه. وشجر النزاع حولها بين الرهبانيات طوال مائة عام. وقسم الدفاع نفسه إلى معسكرين: الصوف الأفلاطوني ومعظمه من الرهبان الفرنسيسكانيين. والعقلى الأرسطاطلي وجله من الرهبان الدومينيكيين. هذا على اختلاف فيما بين الرهبانية الواحدة: فتوما الأكويني الدومينيكي اعتمد على فلسفة ابن رشد، مع أنه من أشد


(١) Foges, La Phi, v ٤, p ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>