والعربية والسريانية - وأطلق عليها يومئذ الكلدانية، أي الآرامية - في جامعات: رومه على نفقة الفاتيكان، وباريس على نفقة ملك فرنسا - وكان الفاتيكان ينفق على عشرين طالبة أكليريكية من الشرق في باريس، بقرارات باباوية في أعوام ١٢٤٨ و ١٢٥٨ و ١٢٨٥ - وأكسفورد على نفقة ملك انجلترا. وبولونيا، وصلمنكه على نفقة رجال الكنيسة في كل من البلدين. وقد خصت كل لغة من اللغات الثلاث بكرسيين وعين أساتذتها، وأجزل أجرهم لقاء قيامهم بتعليمها تعليما سليما يمكن من الكتابة والتخاطب بها. ولقاء ترجمتهم لمصنفاتها إلى اللاتينية ترجمة علمية دقيقة. ثم توسع الفاتيكان في إنشاء الكراسي والمدارس والمكتبات والمطابع والمجلات في إيطاليا وعاون على مثلها في الغرب والشرق وعلى ترجمة التراث الإنساني عن العربية - ثم عن اليونانية واللغات الشرقية - والاستعانة بمن يجيدها من النصارى والمسلمين واليهود على نقله نقلا حرفية، ثم يعمد رجال الدين إلى صياغته في أسلوب لاتين مبين. ولم يكتفوا بتلك المنقولات، فأنشأ دون رايموندو الأول رئيس أساقفة طليطلة مكتب المترجمين في طليطلة (١١٣٠) وأشرف ميخائيل سكوت على مكتب الترجمة الذي أنشأه فردريك الثاني في صقلية (١٢٢٠ - ١٢٣٦) وأفادوا من مكتب ألفونسو الحكيم (١٢٥٢ - ١٢٨٤) والمصنفات التي أمر الملوك والأمراء بنقلها أو نهض العلماء بها ونشروا جميع ذلك في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، ومنها انتقلت إلى مثيلاتها في أوربا وظل بعضها يدرس فيها حتى القرن السابع عشر.
وكان في ترجمة الفلسفة أو الطب أو الفلك الخ نقل لسائر العلوم. لأن اليونان والعرب من بعدهم خلطوا بينها جميعاً - فجمع ابن سينا في رسالة النفس آراء الفلاسفة إلى أصول الدين على شيء من تصوف الشرق ومذاهب الهنود - ولم تفرع إلا في متوسط القرن الخامس عشر. ولما كان الشرق أسبق في الحضارة من أوربا بنحو ثلاثة قرون، فقد أخذت عنه في العصر الوسيط بادئة بالعبرية، لغة الشعوب الأولى، ولكن العربية تفوقت عليها لأنها لغة العلم، ولغة الفلاسفة، كابن رشد، وابن سينا وغيرهما (١). وكان الكندي والفارابي وابن سينا أشهر