للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يتفوق عليه فيها متفوق، ووجه به الخطط العسكرية الفنية وجهة أخذ بها مدى ألفي عام. وروعت الكارثة رومة، فهم أبناؤها بالفرار وخشيت أراملهن العقم، وأباح مجلس الشيوخ التضحية بالناس؛ ثم جيشت جيوشها، فاستولت على قرطاجنة الجديدة (٢١٥) وسيرت سيبيو الملقب بالأفريقي، على أفريقيا (٢٠٥) فقهر هنيبعل عند زاما (٢٠٢) وعقد صلحاً مع قرطاجنه، فاختارت هنيبعل حاكماً عاماً (١٩٦) ولما دس عليه أنه يعد العدة لاستئناف القتال وطلبت رومة تسليمه فر منها وهي تطارده حتى تجرع السم (١٨٤).

ولم يمت بموت هنيبعل حقد رومة على قرطاجنة فكان كاتو، أشهر زعمائها، يختم كل خطاب له في مجلس الشيوخ بقوله: هذا إلى أني أعتقد أن قرطاجنة ينبغي أن تدمر. وقرر المجلس أن الفينيقيين دخلاء على أفريقيا. ثم وعدهها (١٥١) بتركها واستقلالها وسلامة أراضيها إن هي سلمت للقنصلين الرومانيين في صقلية ٣٠٠ من أبناء أشرافها. وبعد أن سلمتهم طلب منها جميع سفنها ومؤنها وذخائرها وإجلاء سكانها عنها لإحراقها فقاومت حصاره براً وبحراً، طوال ثلاث سنوات. ورجع القائد سيبيو إلى مجلس الشيوخ في أمر تدميرها بعد سقوطها، فرد عليه: يجب أن تحرق وتحرث وتغطى بالملح وتصب اللعنات على كل من يحاول إقامة بناء في موضعها فأحرقها وظلت النار مشتعلة في أرجائها ١٧ يوماً (١٤٦) وضم أملاكها إلى رومة باسم الولاية الأفريقية (١) حتى عام ٤٣٩ م.

ولم يعبأ أغسطس (٦٣ ق. م - ١٤ م) بلعنات مجلس الشيوخ فأعاد بناء قرطاجنة - فنظم فرجيل (٧٠ - ١٩ ق. م) الإلياذة في وصف تشييدها الأول ونزول أهلها بإيطاليا، ثم صنف الإمبراطور كلوديوس الأول (٤١ - ٥١) كتاباً في تاريخ قرطاجنة - وما لبثت، بعد قرن، أن استعادت رخاءها فأقامت الهياكل والتماثيل ورفعت بيوتها ست طبقات وشيدت قاعات المحاضرات ومدارس البيان والفلسفة والطب والقانون (٢) ولا اعتنقت أفريقيا الشمالية النصرانية وهبتها أعظم المناضلين عنها، ووضعت نصوص القداس اللاتيني وترجمة العهد القديم فيها، وظل في شمالي أفريقيا بعد الفتح الإسلامي ٤٠ أسقفية، ولم تقف رومة، عند النهل من

ثقافتها، فعلها بغيرها وإنما رفعت سلالة أحد رعاياها إلى عرش أباطرتها.

سبتيموس سفيروس (١٦٤ - ٢١١ م) ولد في لبدة الكبرى، من أسرة فينيقية تتكلم بلغتها، ودرس الآداب والفلسفة في أثينة. وتزوج (١٨٧) من جوليا دومنا بنت كاهن الغابال إله حمص فأنجبت له كراكلا وجيتا. وعند ما ارتقى العرش (١٩٣ - ٢١١) سار بالإمبراطورية على الأساليب الشرقية، وملأ الأماكن الشاغرة في مجلس الشيوخ بالمشرقيين - وقد سبق لكلوديوس أن اتخذ وزراءه من الفينيقيين: بعل بالاس للمالية، ونرسيس


(١) G. Boissier, L'Afrique Romaine.
(٢) وقد كشف عن آثارها ديلاتر (١٨٩٠) Delatre وأنشأ لها متحفاً باسم متحف قرطاجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>