وكانت الكلية الشرقية بجامعة بطرسبرج في مطلع القرن العشرين مورداً للعلم ومستقراً لكبار العلماء من أمثال فون روزين، وبارتولد، وتورا ييف، وميادنيكوف وغيرهم. فصرف في الكلية أربع سنوات في دراسة الفارسية والتركية والعبرية والحبشية القديمة على توراييف، وتاريخ الشرق الإسلامي على بارتولد (وقد نقل بعض مصنفاته إلى التركية) والعربية على ميادنيكوف، وروزين، وتردد على أساتذة لبنانيين هم: فضل الله صرّوف، ورزق الله حسون، وأنطون خشاب. وأنجز دراسته في رسالة عن إدارة الخليفة المهدي، نال عليها وساماً ذهبياً (١٩٠٥) وقد تأثر كراتشكوفسكي بعالمين تأثراً عميقاً بعيد المدى: أحدهما فسيلوفسكي الذي طبع تاريخ الآداب العام بطابع خاص، فكشف مذهبه عن الظواهر المتقابلة في التطور التاريخي للأشكال الشعرية. والثاني فيكتور روزين الذي تولى تحرير الحوليات الشرقية بقسم الآثار الروسية، وانتدب أستاذاً وعميداً للكلية الشرقية فتوثقت عرى الصداقة بين الأستاذ والتلميذ حتى كانت وفاة الأول مصيبة فادحة على الثاني ذكرها عند نشره رسالته وعنوانها: أبو الفرج الوأواء الدمشقى، فقال في توطئته: أشعر بحزن في نفسي ما يزال أليماً وعميقاً، عهدي به منذ ست سنوات، ذلك أن الأستاذ الذي باشرت هذا العمل بين يديه قد أمسى بين يدي الموت.
وأوفدته وزارة المعارف وجامعة بطرسبرج إلى الشرق لتعلم العربية العامية والتعرف إلى العلماء (١٩٠٨ - ١٠) فطوف في سوريا ولبنان وفلسطين ومصر، متردداً على خزائن كتبها، زائراً مواطن العلم فيها، متعرفاً إلى كبار أدبائها وعلمائها، كالمكتبة الشرقية ببيروت، والظاهرية بدمشق، والمارونية بحلب، والخالدية بالقدس، والحديوية بالقاهرة. واستمع إلى أساتذة جامعة القديس يوسف ببيروت، وعلماء الأزهر الشريف، والأستاذ نللينو في الجامعة المصرية، وقد جمع من هذه الخزائن والمعاهد والمعارف معلومات وفيرة نفيسة عاد بها إلى روسيا، بعد أن دبج في بعضها، خلال رحلته، وتمالات وأشعاراً منشورة نشرها في الصحف العربية والروسية.
وما زال يذكر حتى وفاته بالخير والشوق وقوفه بخزائن الكتب والورّاقين والنساخين ويقول: إن كتابته عنها بعث وحياة ثم موت كما يقع للأصدقاء، حتى تبعث من جديد على يد علماء خلقوا لها.