للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا عرى، ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ١٥ - ١٦]، أي اجتمع فيها صفاء القوارير مع بياض (١) الفضة وذلك أن لكل قوم من تراب أرضهم قوارير، وأن تراب الجنة فضة فهو قوارير من فضة قاله ابن عباس (٢)، وقال هي في صفة (٣) الفضة، وفي ذلك دليل على أن أرض الجنة من فضة؛ إذ المعهود في الدنيا اتخاذ الآنية من الأرض، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها كالقوارير يرى الشراب من وراء جدر القوارير، وهذا لا يكون في فضة الدنيا ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان: ١٦] أي في أنفسهم فأتتهم على نحو ما قدروا واشتهوا من صغار وكبار وأوساط هذا تفسير قتادة (٤).

وقال ابن عباس (٥) ومجاهد (٦): أتوا بها على قدر رتبهم بغير زيادة ولا نقصان، والمعنى قدرتها الملائكة التي تطوف عليهم، ويسقون فيها كأسًا أي من كأس، كما قال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ﴾ [الإنسان: ٥] يعني الخمر، قال: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥)[الصافات: ٤٥] أي خمر، والمعين الماء الجاري الظاهر ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ أي لا تغتال عقولهم، ولا يصيبهم منها صداع، ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٧] أي لا تذهب عقولهم بشربها، يقال: الخمر غول للحلم (٧)، الحرب غول للنفوس، أي تذهب بها.

وقرأ حمزة والكسائي: ﴿يُنْزَفُونَ﴾ بكسر الزاي (٨) من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر، كما يقال: أحصد الزرع إذا حان حصاده، وأقطف الكرم إذا حان قطافه وأركب المهر إذا حان ركوبه.

وقيل: المعنى لا ينزفون شرابهم؛ لأنه دأبهم، والكأس عند أهل اللغة: اسم شامل لكل إناء مع شرابه، فإن كان فارغًا فليس بكأس، ﴿كَانَ مِزَاجُهَا


(١) في (ع، ظ): في بياض.
(٢) ذكره الماوردي في تفسيره ٦/ ١٧٠.
(٣) في (الأصل): صفة، والتصويب من (ع، ظ).
(٤) لم أقف على من ذكر قوله.
(٥) ذكره ابن كثير في تفسيره ٤/ ٤٥٧.
(٦) ذكره الطبري في تفسيره ٢٩/ ٢١٧.
(٧) في (الأصل): للحكم، وما أثبته من (ع، ظ، م).
(٨) ذكر قراءتهما صاحب إتحاف فضلاء البشر ص (٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>