للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو انقطاعُ تعلقِ الروحِ بالبدنِ، ومفارقتُهُ، وحيلولة بينهما (١)، وتبدلُ حالٍ، وانتقالٌ من دارٍ إلى دار (٢)، وهو من أعظم المصائبِ، وقد سمّاه اللهُ تعالى مصيبةٌ في قولهِ: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فالموتُ هو المصيبةُ العُظمى والرزيةُ الكُبْرَى.

قال علماؤنا (٣): وأعظمُ منه الغفلةُ عنه، والإعراضُ عن ذِكْرِهِ، وقلةُ التفكرِ فيهِ، وتركُ العمل له، وإنّ فيه وحدَه لعبرةً لمن اعتبرَ، وفكرةً لمن تفكر.

و (٤) في خبرٍ يُروى (٥) عن النبي (٦) : "لو أنّ البهائمَ تعلمُ مِن المَوْتِ ما تعلمون ما أكلتُم مِنها سمينًا" (٧).

ويُروى أن أعْرابيًا كان يسير على جملٍ له فخرَّ الجملُ ميْتًا، فنزل الأعرابيُّ عنه، وجعلَ يطوفُ بهِ ويتفكرُ فيهِ ويقولُ: ما لكَ لا تقومُ؟! ما لكَ لا تنبعثُ؟! هذِهِ أعضاؤكَ كاملةٌ، وجوارحكَ سالمةٌ، ما شأنُكَ؟! ما الذي كان يحْمِلُكَ؟! ما الذي كان يبعثُكَ؟! ما الذي صرعَكَ؟! ما الذي عن الحركةِ منعك؟! ثم تركَهُ وانصرف متفكرًا في شأنِه، متعجِبًا من أمرِهِ (٨).


(١) نهاية قول أبي العباس القرطبي.
(٢) يقول ابن القيم: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن إريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا محضًا، فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو عذاب، انظر: الروح ص (٣٤)؛ وعرَّفه الجرجاني بأنه: صفة وجودية خلقت ضد الحياة، انظر: التعريفات له ص (٣٠٤) رقم ١٥٢٠.
(٣) (قال علماؤنا): ليست في (ع، ظ)، والقائل هو: أبو محمد عبد الحق الإشبيلي في كتابه العاقبة في ذكر الموت والآخرة ص (٤٣).
(٤) الواو ليس في (ع).
(٥) في (ع، ظ): مروي.
(٦) في (ع): رسول الله.
(٧) في زوائد نعيم بن حماد على كتاب الزهد لابن المبارك ٢/ ٣٨، ح ١٥٢ من بلاغات الحسن بن صالح؛ ورواه أبو نعيم في الحلية عن سفيان الثوري بلفظ: "لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون. . ." ٦/ ٣٩٢؛ قال الألباني: ضعيف جدًّا، انظر: ضعيف الجامع الصغير وزيادته ص (٦٩٤)، ح ٤٨١٣.
(٨) ذكر هذه الرواية أبو محمد في العاقبة ص (٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>