للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاغترار بها، والسكون إليها لقَطعهِ عنها، ولقد أحسن من قال (١):

اذكر الموتَ هادمَ اللذات … وتجهز لمصرَعٍ سوف يأتي (٢)

وقال آخر (٣):

واذكرِ المؤتَ تجده راحة … في اذكار (٤) الموتِ تقصير الأمل

وأجمعت الأمةُ على أنّ الموْتَ ليسَ لَهُ سنُّ معلومٌ، ولا زمنٌ معلومٌ، ولا مرض معلوم (٥)؛ وذلك ليكونَ المرءُ على أُهْبَةٍ من ذلك، مستعدًا لذلك، وكان بعضُ الصالحينَ يُنادي بالليل على سورِ المدينة: الرحيلَ، الرحيلَ، فلمّا تُوفي فقد صوتَه أميرُ تلك المدينة، فسألَ عنه، فقيل له: إنه قد (٦) مات فقال:

ما زالَ يلهجُ بالرحيل وذِكْرِهِ … حتى أناخَ ببابهِ الجمّالُ

فأصابَه مُتيقظًا ومُتشمّرًا (٧) … ذا أُهْبةٍ لم تُلههِ الآمالُ

وكان يزيدُ الرّقاشيُّ (٨) يقولُ لنفسه: ويْحَكَ يا يزيدُ مَنْ ذا (٩) يُصلي عنك بعد الموتِ؟ مَن ذا (١٠) يصومُ عنكَ بعد الموتِ؟ ذا (١١) من يترضى عنك ربَّكَ بعد الموتِ؟ ثم يقول: أيّها النّاسُ ألا تبكون، وتنوحونَ على أنفسِكم باقي حياتكم؟ مَنِ المَوْتُ موعدُهُ، والقبر بيتُهُ، والثَّرى فِراشُهُ، والدُودُ أنيسه، وهو


(١) لم أقف على القائل.
(٢) في (ع): يأت.
(٣) لم أقف على القائل
(٤) هكذا في جميع النسخ، ولعل الكلمة (ادّكار) بالدال المشددة، والقاعدة في ذلك: إذا وقعت تاء الافتعال بعد الدال أو الزاي أو الذال قُلبت دالًا، قال ابن مالك في ألفيته:
طَا تَا افْتِعَالٍ رُدّ إِثْرَ مُطبِقَ … في ادَّان وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالًا بِقِي
(٥) (ولا مرض معلوم): لست في (ع).
(٦) في (ع، ظ): فقيل إنه مات.
(٧) في (ع): مشمِّرًا.
(٨) يزيد بن أبان الرقاشي بتخفيف القاف، أبو عمر البصري القاص، زاهد ضعيف، أسند عن أنس بن مالك، وروى عن الحسن وغيره، إلا أن التعبد شغله عن حفظ الحديث فأعرضت النقلة عما يروي، من الخامسة مات قبل العشرين، انظر: صفة الصفوة ٣/ ٢٨٩ - ٢٩٠ لأبي الفرج ابن الجوزي؛ تقريب التهذيب ص (١٠٧١) رقم ٧٧٣٣.
(٩) في (ظ): من ذا الذي.
(١٠) في: (ظ) من ذا الذي.
(١١) في (ظ): من ذا الذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>