للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد فالهرب الهرب (١): إذا استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وانتسبوا في غير مناسبهم وانتموا إلى غير مواليهم، ولم يرحم كبيرهم صغيرهم ولم يوقر صغيرهم كبيرهم، وترك المعروف فلم يؤمر به، ويترك المنكر (٢) فلم ينه عنه، وتعلم العلم عالمهم ليجلب به الدنانير والدراهم، وكان المطر قيظًا (٣)، والولد غيظًا (٤)، وطولوا المنارات، وفضضوا المصاحف، وشيدوا البناء (٥)، واتبعوا الشهوات (٦)، وباعوا الدين بالدنيا، واستخفوا بالدماء، وقطعت الأرحام، وبيع الحكم، وأكل الربا، وصار الغنى عزًا، وخرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه فسلم عليه، وركبت النساء السروج، ثم غاب عنا قال: فكتب بذلك نضلة إلى سعد، وكتب سعد إلى عمر، وكتب عمر إلى سعد: يا سعد الله أبوك سر أنت ومن معك من المهاجرين والأنصار حتى تنزلوا هذا الجبل فإن لقيته فاقرئه مني السلام، فإن رسول الله أخبرنا أن بعض أوصياء عيسى ابن مريم نزل ذلك الجبل ناحية العراق، قال: فخرج سعد في أربعة آلاف من المهاجرين والأنصار حتى نزل ذلك (٧) الجبل أربعين يومًا ينادي بالأذان في كل وقت صلاة، فلا جواب.

قال الخطيب: تابع إبراهيم بن رجاء أبو موسى عبد الرحمن الراسبي على


(١) هذا بخلاف ما أمرنا به من الصبر على مخالطة الناس ودعوتهم للحق، فإذا هرب الصالحون لا يتغير المنكر بل يتمكن.
(٢) في (الأصل): ويركب المنكر، وما أثبته من (ع، ظ، تاريخ بغداد).
(٣) القيظ هو شدة الحر، ويكون المطر قيظًا في آخر الزمان؛ لأن المطر يراد للنبات وبرد الهواء والقيظ ضد ذلك، انظر: النهاية في غريب الحديث ٤/ ١٣٢، بتصرف يسير.
(٤) في الصحاح ٣/ ١١٧٦ للجوهري: الغيظ: غضب كامن للعاجز، قلت: وقد يكون الولد غيظًا؛ لأنه يراد للطاعة والبر، ففي آخر الزمان تكثر الفتن التي قد يصعب معها السيطرة على الأولاد الذين يقلدون أهل الكفر فيقف الأب عاجزًا مغتاظًا من صنيع ولده، والله أعلم.
(٥) في (ع، ظ): البنيان، والأصل متوافق مع تاريخ بغداد.
(٦) (واتبعوا الشهوات): ليست في (ظ) وفي (تاريخ بغداد): واتبعوا الهوى.
(٧) في (ع): في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>