للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلماءُ (١): فذكْرُ الموتِ يردعُ عن المعاصي، ويلينُ القلبَ القاسي، ويذهبُ الفرحَ بالدنيا، ويهوِّن المصائبَ فيها.

الثالث: مشاهدةُ المحتضَرينَ؛ فإنّ في النظرِ إلى الميت، ومشاهدةِ سكراتِهِ، ونزعاتِهِ، وتأملِ صورتِهِ بعد مماته، ما يقطعُ عن النفوس لذاتِّها، ويطردُ (٢) عن القلوبِ مسراتِها، ويمنعُ الأجفانَ من النوم، والأبدان من الراحة، ويبعثُ على العمل، ويزيدُ في الاجتهادِ والتعب (٣).

ويُروى (٤) أنّ الحسنَ البصريَّ دخل على مريضٍ يعوده فوجده في سكرات الموتِ، فنظر إلى كربه وشدّةِ ما نزل بِهِ، فرجع إلى أهلِهِ بغير اللّون الذي خرجَ به من عندهم، فقالوا له: الطعام يرحمك الله، فقال: يا أهلاه عليكُم بطعامِكم و شرابِكم، فوالله لقد رأيتُ مَصرعًا لا أزال أعملُ له حتى ألقاه (٥).

فهذه ثلاثة أمورٍ ينبغي لمن قسا قلبُه، ولزمَه ذنبُهُ أن يستعينَ بها على دواء دائِهِ، ويستصرخَ بها (٦) على فتنِ الشيطانِ وإغوائهِ (٧)، فإن انتفع بها فذاك، وأن عظُم عليه رانُ القلب، واستحكَمت فيه دواعي الريب (٨)، فزيارةُ قبور الموتى تبلغُ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأولى، والثاني، والثالث؛ ولذلك قال : "زوروا القبور فإنّها تذكرُ الموتَ والآخرة، وتزهدُ في الدنيا" (٩)، فالأول: سماعٌ بالأذن، والثاني: إخبارٌ للقلب (١٠) بما إليه المصيرُ، وقائمٌ له مقامَ التخويف، والتحذيرِ في مشاهدة (١١) من احتُضِر (١٢)، وزيارة قبر (١٣) من مات


(١) القائل هو: أبو محمد عبد الحق في كتابه العاقبة ص (٤٠).
(٢) في (ع): يقطع.
(٣) في (الأصل): البعث، والتصويب من (ع، ظ).
(٤) (الواو) ليست في (ع، ظ).
(٥) ذكره الإمام أحمد في كتابه الزهد ص (٣٨٢)؛ وابن الجوزي في كتابه الحدائق في علم الحديث والزهديات ٣/ ٤٣٥؛ وأبو محمد عبد الحق في العاقبة ص (٤٢).
(٦) في (ع): به
(٧) في (ع، ظ): وأعوانه.
(٨) في (ع، ظ): الذنب.
(٩) تقدم تخريجه ص (١٢٩).
(١٠) في (ظ): بالقلب.
(١١) في (ع، ظ): وفي مشاهدة.
(١٢) في (الأصل): من احتضره، وما أثبته من (ع، ظ)؛ لأن ما بالأصل يحتاج إلى تقدير: احتضره الموت، ولا يستقيم المعنى بدون الهاء.
(١٣) (قبر): ليست في (ظ).

<<  <  ج: ص:  >  >>