للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى الترمذيُّ في جامعِهِ (١): "أَنَّ رجلًا دخل على النبي فقال: عليك السلام، فقال : لا تقل عليك السلام، فإنَّ (٢) عليك (٣) السلام تحيَّة الميت"، وأتاه من تلقاءِ وجهِهِ في زيارته كمخاطبتهِ حيًّا، ولو (٤) خاطبه حيًّا لكان الأدبُ استقباله بوجهه فكذلك ها هنا (٥)، ثم يعتبر (٦) بمن صار تحت الترابِ، وانقطعَ عن الأهل والأحباب، بعد أن قاد الجيوشَ والعساكر ونافسَ الأصحاب والعشائرَ، وجمعَ الأموال والذخائر، فجاءه الموتُ في وقتٍ لم يحتسبه، وهولٍ لم يرتقبه، فليتأمل الزائرُ حال من مضى من إخوانه، ودرج من أقرانِهِ الذين بلغوا الآمال، وجمعوا الأموال، كيف انقطعت آمالُهم، ولم تغنِ عنهم أموالهم، ومحا الترابُ محاسنَ وجوههِم، وافترقت في القبور أجزاؤهم، وترمّل بعدهم نساؤهم، وشمل ذلُّ اليتم أولادَهم، [و] (٧) اقتسم غيرهم طريقهم وبلادهم، ويتذكر ترددهم في (٨) المآرب، وحرصهم على نيل المطالب، وانخداعَهم لمؤاتاة (٩) الأسباب، وركونَهم إلى الصحةِ والشباب، وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم، وغفلته عمّا بين يديه من الموتِ الفظيع والهلاكِ السريع كغفلتهم، وأنّه لا بدّ صائرٌ إلى مصيرهم، وليحضر بقلبه ذكر من كان مترددًا في أغراضه، وكيف تهدمت رجلاه، وكان يتلذذُ بالنظر إلى ما خُوّل،


(١) ٥/ ٧١، ح ٢٧٢ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح؛ وأخرجه النسائي في السنن الكبرى ٦/ ٨٧، ح ١٠١٤٩، و ٦/ ٨٨، ح ١٠١٥٠؛ وأبو داود ٤/ ٥٦، ح ٤٠٨٤؛ والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/ ٢٣٦؛ والطبراني في المعجم الكبير ٧/ ٦٦، ح ٦٣٨٩، قال الألباني: صحيح، صحيح الترمذي له ٢/ ٣٥١، ح ٢١٩٠.
(٢) في (سنن الترمذي): إن.
(٣) في (ع): ذلك.
(٤) في (ع): إذ لو.
(٥) الذي يظهر أن هذا القياس مع الفارق، فالميت ليس كالحيّ من كل وجه، فعدم استقبال الأحياء بالوجه حال الخطاب قد يؤدي إلى الشحناء والبغضاء بين المسلمين وهو أمر يطلب الشارع تجنبه بخلاف الميت.
(٦) في (ع): تعتبر.
(٧) ما بين المعقوفتين من (ع، ظ).
(٨) في (ظ): إلى.
(٩) في (الأصل): مؤتات، والتصريب من (ع، ظ) ومؤاتاة الأسباب: موافقتها ومطاوعتها، انظر: لسان العرب ١٤/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>