للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت (١): ويُبيِّنُ حديث مسلم (٢) عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله أين أَبي؟ قال: "في النار، فَلمَّا قَفَّى دَعاهُ، فقال: إِنَّ أَبي وأباك في النار". وحديث سلمة بن يزيد الجعفي وفيه: "فلما رأى ما دخل علينا قال: وأمِّي مع أمَّكما" (٣)


= فبين الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافرًا.
وفي صحيح مسلم قوله : "إن أبي وأباك في النار". وفي صحيح مسلم أيضًا: "واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي" - الحديث - وفي الحديث الذي في المسند وغيره قال: "إن أمي مع أمك في النار".
فإن قيل: هذا في عام الفتح والإحياء كان بعد ذلك في حجة الوداع؛ ولهذا ذكر ذلك من ذكره وبهذا اعتذر صاحب التذكرة - أي القرطبي -، وهذا باطل من وجوه:
الأول: أن الخبر عما كان ويكون لا يدخله نسخ كقوله في أبي لهب: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)﴾، وكقوله في الوليد ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾، وكذلك في "إن أبي وأباك في النار"، و"إن أمي مع أمك في النار"، وهذا ليس خبر عن نار يخرج منها صاحبها كأهل الكبائر؛ لأنه لو كان كذلك لجاز الاستغفار لهما، ولو كان قد سبق في علم الله إيمانهما لم ينهه عن ذلك، فإن الأعمال بالخواتيم، ومن مات مؤمنًا فإن الله يغفر له فلا يكون الاستغفار له ممتنعًا.
الثاني: أن النبي زار قبر أمه، وأما أبوه فلم يزره إذ كان مدفونًا بالشام في غير طريقه، فكيف يقال: أحيى له؟!
الثالث: أنهما لو كانا مؤمنين إيمانًا ينفع كانا أحق بالشهرة والذكر من عميه: حمزة، والعباس، وهذا أبعد مما يقوله الجهال من الرافضة ونحوهم من أن أبا طالب آمن، هذا باطل لما في الصحيح، وغيره، فلما كان من العلم المتواتر المستفيض بين الأمة خلفًا عن سلف أنه لم يُذكر أبو طالب ولا أبواه في جملة من يذكر من أهله المؤمنين، كحمزة، والعباس، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين ، كان هذا من أبين الأدلة على أن ذلك كذب.
الرابع: إن الله تعالى قال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ - إلى قوله - لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾. فأمر بالتأسي بإبراهيم والذين معه إلا في وعد إبراهيم لأبيه بالاستغفار، وأخبر أنه لما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه والله أعلم. انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ٤/ ٣٢٤ - ٣٢٧ باختصار.
(١) (قلت): ليست في (ع، ظ).
(٢) في صحيحه ١/ ١٩١، ح ٢٠٣.
(٣) جزء من حديث أخرجه أحمد في المسند ١/ ٣٩٨، ح ٣٧٨٧؛ والطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ٨٠، ح ١٠٠١؛ والحاكم في المستدرك ٢/ ٣٩٦، ح ٣٣٨٥، كلهم من حديث عبد الله بن مسعود ولم أقف عليه من حديث سلمة بن يزيد الجعفي، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ٣٦٢: رواه أحمد والبزار والطبراني وفي أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير وهو ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>