= فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي ﷺ ليلة الإسراء، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم، بل من الشهداء من يحبس عن دخول الجنة لدَينٍ عليه أو غيره كما في المسند أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ما لي إن قُتلت في سبيل الله؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: إلا الدَّين سارَّني به جبريل آنفًا - أحمد في المسند ٤/ ٣٥٠، ح ١٩١٠٠؛ ومسلم ٣/ ١٥٠٢، ح ١٨٨٦ - ومنهم من يكون محبوسًا على باب الجنة كما في الحديث الآخر: "رأيت صاحبكم محبوسًا على باب الجنة" - أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١٣، ح ٢٠١٦٩؛ والطبراني في الكبير ٧/ ١٧٨، ح ٦٧٥١ - ومنهم من يكون محبوسًا في قبره كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال النبي ﷺ: والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارًا في قبره - أخرجه البخاري ٤/ ١٥٤٧، ح ٣٩٩٣؛ ومسلم ١/ ١٠٨، ح ١١٥ - ومنهم من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية. رواه أحمد - في المسند ١/ ٢٦٦، ح ٣٩٠؛ والطبراني في الكبير ١٠/ ٣٣٣، ح ١٠٨٢٥؛ والحاكم في المستدرك ٢/ ٨٤، ح ٢٤٠٣ - ، وهذا بخلاف جعفر بن أبي طالب حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء. ومنهم من يكون محبوسًا في الأرض لم تعل روحه إلى الملأ الأعلى فإنها كانت روحًا سفلية أرضية، فإن النفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية كما لا تجامعها في الدنيا، والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته والأنس به والتقرب إليه، بل هي أرضية سفلية لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك، كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها، فالمرء مع من أحب في البرزخ ويوم القيامة، والله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ ويوم المعاد، ويجعل روحه يعني المؤمن مع النسم الطيب أي الأرواح الطيبة المشاكلة لروحه، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك. ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة. فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد، ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضًا فإنها كلها حق يصدق بعضهًا بعضًا، ولكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنًا غير البدن وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه وهي أسرع شيء حركة وانتقالًا وصعودًا وهبوطًا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة، وعلوية وسفلية ولها بعد المفارقة =