للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضغة كان عنه (١) التصوير والتشكيل بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه، ألا تراه سبحانه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية وقطع عنها نسب جميع الخليقة فقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [الأعراف: ١١]، إلى غير ذلك من الآيات مع ما دلت عليه قاطعات البراهين ألّا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين، وهكذا القول في قوله: "ثم يرسل (٢) الملك فينفخ فيه الروح"، أي أن النفخ فيه سبب يخلق الله فيها (٣) الروح والحياة، وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره، فتأمل هذا الأصل وتمسك به فيه النجاة من مذاهب أهل الضلال الطبائع (٤) وغيرهم، وأن الله هو القابض لأرواح جميع الخلق على الصحيح، وأن ملك الموت وأعوانه وسائط، وقد سئل مالك بن أنس عن البراغيث (٥): أملك الموت يقبض أرواحها؟ فأطرق مليًا (٦) ثم قال: ألها نفس؟ قال: نعم، قال ملك الموت يقبض أرواحها، ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] (٧).

وفي الخبر: "أن ملك الموت وملك الحياة تناظرا، فقال ملك الموت:


= الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية كلاهما لابن قيم الجوزية.
(١) في (الأصل): عند، والتصويب من (ع، ظ).
(٢) في (ظ): يرسل له.
(٣) في (ع): فيه.
(٤) هم الفلاسفة وبعض المعتزلة الذين يقولون: بأن الجواهر أجناس متضادة من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وأن الأعراض فاعلة للأفعال كفعل النار للإحراق والشراب للسُكر. انظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري ص (٣٠٩، ٣٨٢)، وكتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل لأبي بكر الباقلاني ص (٦٢)، وكتاب الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ص (٣٤٦).
قلت: تلك المقالة دليل على ضعف عقول من يقدسون العقل وجهلهم بربهم ﷿، فتلك الأعراض ما كان لها أن تعمل عملها مستقلة عن سنة الله تعالى فيها، ألم يسمعوا إلى قوله تعالى: ﴿يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، فالله تعالى هو الذي جعل النار حارقة وإن شاء جعلها باردة، فلو لم يقل الله تعالى للنار: ﴿وَسَلَامًا﴾ لأصاب إبراهيم الأذى من بردها.
(٥) (عن البراغيث): ليست في (ظ).
(٦) في (ع): مليًا مالك.
(٧) لم أجد هذا الأثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>