قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ذكر طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم ونقلوه عن أحمد وذكروا فيه آثارًا: أن الميت يتألم بما يفعل عنده من المعاصي، فقد يقال أيضًا: إنه ينعم بما يسمعه من قراءة وذكر. وهذا لو صح لم يوجب استحباب القراءة عنده فإن ذلك لو كان مشروعًا لسنه رسول الله لأمته؛ وذلك لأن هذا وإن كان نوع مصلحة ففيه مفسدة راجحة كما في الصلاة عنده، وتنعم الميت بالدعاء له والاستغفار والصدقة عنه وغير ذلك من العبادات يحصل به من النفع أعظم من ذلك وهو مشروع ولا مفسدة فيه؛ ولهذا لم يقل أحدٌ من العلماء بأنه يستحب قصد القبر دائمًا للقراءة عنده إذ قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن ذلك ليس مما شرعه النبي ﷺ لأمته، لكن اختلفوا في القراءة عند القبور هل تكره أم لا تكره، والمسألة مشهورة وفيها ثلاث روايات عن أحمد: إحداها: أن ذلك لا بأس به، وهي اختيار الخلال وصاحبه وأكثر المتأخرين من أصحابه وقالوا: هي الرواية المتأخرة عن أحمد، وقول جماعة من أصحاب أبي حنيفة، واعتمدوا على ما نقل عن ابن عمر ﵄ أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتيح البقرة وخواتيمها، ونقل أيضًا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة. الثانية: أن ذلك مكروه، حتى اختلف هؤلاء هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة إذا صلي عليها في المقبرة، وهذه الرواية هي التي رواها أكثر أصحابه عنه وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه كعبد الوهاب الورّاق وأبي بكر المروزي ونحوهما، وهي مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم، ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام؛ وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة. الثالثة: أن القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها كما نقل عن ابن عمر ﵄ وبعض المهاجرين، وأما القراءة بعد ذلك مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده فهذا مكروه، فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلًا، وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها؛ لما فيها من التوفيق بين الدلائل. اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٧٤١ - ٧٤٤؛ ومجموع الفتاوى ٢٤/ ٢٩٨، ٣٠٠، ٣١٧ لشيخ الإسلام. (٢) لم أعرفهم. (٣) (على القبر): ليست في (ع، ظ).