للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معًا، وقال الله (١) تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)[الأعراف: ٦]، والسؤال لا يكون إلا باستماع، وإلا لناطق يستمع للجواب، وقال: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه: ١٠٢]، وقال: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١]، وقال: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)[المعارج: ٤٣]، والنسلان، والإسراع مخالفان للحشر على الوجوه.

والجواب: لمن سأل عن هذا أن يقال له: إن الناس إذا أحيوا وبعثوا من قبورهم فليست حالهم (٢) واحدة، ولا موقفهم ولا مقامهم واحدًا، ولكن لهم مواقف وأحوال، واختلفت الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم وأحوالهم. وجملة ذلك أنها خمسة أحوال، أولها حال البعث من القبور، والثانية: حال السوق إلى موضع الحساب، والثالثة: حال المحاسبة، والرابعة: حال السوق إلى دار الجزاء، والخامسة: حال مقامهم في الدار التي يستقرون فيها.

فأما حال البعث من القبور فإن الكفار يكونون كاملي الحواس والجوارح لقول الله تعالى: ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٤٥]، وقوله: ﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣)[طه: ١٠٣]، وقوله: ﴿فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨]، وقوله: ﴿كَمْ (٣) لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ إِلى قوله: ﴿تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون ١١٢ - ١١٥].

والحالة الثانية: حال السوق إلى موضع الحساب، وأيضًا في هذه الحال بحواس تامة لقوله ﷿ ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)[الصافات: ٢٢ - ٢٤] ومعنى فاهدوهم أي دلوهم، ولا دلالة لأعمى أصم ولا سؤال لأبكم، فثبت بهذا أنهم يكونون بأبصار وأسماع، وألسنة ناطقة.

والحالة الثالثة: وهي حالة المحاسبة، وهم يكونون فيها أيضًا كاملي الحواس ليسمعوا ما يقال لهم ويقرؤوا كتبهم الناطقة بأعمالهم، وتشهد عليهم


(١) (لفظ الجلالة): ليس في (ع).
(٢) في (الأصل): حالة، وتصويبه من (ع، ظ).
(٣) في (ع): ﴿قَالَ كَمْ﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>