للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّغار بعد عتوهم والذلة بعد تجبرهم على عباد الله في أرضه، ثم أقبلت الوحوش من أماكنها منكسة رؤوسها بعد توحشها من الخلائق وانفرادها ذليلة من هول يوم النشور من غير ريبة، ولا خطيئة أصابتها، حتى وقفت من وراء الخلق بالذلة والانكسار للملك الجبار، وأقبلت الشياطين بعد تمردها وعتوها خاضعة ذليلة للعرض على الديان، حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها (١) وسباعها وأنعامها وهوامها تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر فأظلما عليهم ومارت سماء الدنيا من فوقهم فدارت من فوقهم بعظمها فوق رؤوسهم، وجميع ذلك بعينك وعين أهل الموقف ينظرون إلى هوله ثم انشقت بغلظها فوق رؤوسهم وهي خمسمائة عام، فيا هول صوت انشقاقها في سمعهم، وتمزقت وتفطرت لهول يوم القيامة من عظم يوم الطامة، ثم ذابت حتى صارت مثل الفضة المذابة، كما قال الجبار : ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (٣٧)[الرحمن: ٣٧]، وقال: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩)[المعارج: ٨ - ٩] أي كالصوف المنفوش، وهو أضعف الصوف، وهبطت الملائكة من حافاتها (٢) إلى الأرض بالتقديس لربها، فتوهَّم انحدارهم من السماء بعظم أجسامهم وكثرة أخطارهم وهول أصواتهم وشدة فَرَقِهم من خوف ربهم، فتوهم فزعك حينئذ وفزع الخلائق لنزولهم مخافة أن يكونوا قد أمروا بهم، فأخذوا مصافَّهم محدقين بالخلائق منكسي رؤوسهم لعظم هول يومهم، قد تسربلوا أجنحتهم، ونكسوا رؤوسهم بالذلة والخضوع لربهم، وكذلك ملائكة كل سماء إلى السماء السابعة قد أضعف أهل كل سماء على أهل السماء الذين قبلهم في العدة وعظم الأجسام والأصوات حتى إذا وافى الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع (٣) كسيت الشمس حر عشر سنين ثم أدنيت من الخلائق قاب قوسين أو قوسين، فلا ظل ذلك اليوم إلا ظل عرش الرحمن، فمن بين مستظل بظل العرش (٤) وبين مضح بحر الشمس


(١) في (الأصل): ووحشها، وما أثبته من (ع، ظ، م، والتوهم).
(٢) في (الأصل): حافتاها، وتصويبه من (ع، ظ، م، مصدر المؤلف).
(٣) (السبع): ليست في (ع).
(٤) في (ع): مستظل بعرش الرحمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>