للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى على ما تقدم (١) حفاة، و (٢) عراة، وجاء وقت الحساب الذي يريد الله أن يحاسبهم فيه أمر بالكتب التي كتبها الكرام الكاتبون بذكر أعمال الناس، فأوتوها فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه فأولئك هم السعداء، ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو وراء ظهره وهم الأشقياء، فعند ذلك يقرأ كلٌّ كتابه، وأنشدوا (٣):

مثِّل وقوفك يوم العرض عريانًا … مستوحشًا قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهَّب من غيظ ومن حنق … على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل … فهل ترى فيه حرفًا غير ما كانا

لما قرأت ولم تنكر قراءته … إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل: خذوه يا ملائكتي … وامضوا بعبد عصا للنار عطشانا

المشركون غدًا في النار يلتهبوا … والمؤمنون بدار الخلد سكانا

فتوهم نفسك يا أخي (٤) إذا تطايرت الكتب، ونصبت الموازين، وقد نوديت ونوه باسمك على رؤوس الخلائق: أين فلان بن فلان، هلم إلى العرض على الله وقد وكلت الملائكة بأخذك، فقربتك إلى الله، لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك، إذا عرفت أنك المراد بالدعاء، إذ قرع النداء قلبك فعلمت أنك المطلوب، فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك، وطار قلبك يخطي بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه، والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيديهم وقد طار قلبك، واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك (٥).

فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك، لا تغادر بلية كتمتها، ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك، وكم (٦) من بلية قد كنت (٧) نسيتها ذكركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها،


(١) ص (٤٨٤).
(٢) (الواو): ليس في: (ع، ظ).
(٣) في (ظ): وأنشد.
(٤) في (ع): يا أخي يا مسكين.
(٥) ذكر هذا التوهم المحاسبي في كتابه التوهم ص (٥٣).
(٦) في: (ع، ظ): فكم.
(٧) (كنت نسيتها): ليست في (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>