للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف، وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيمًا، فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت فيه طاعة ربك: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الحاقة: ١٩] (١) فيعلم أنه من أهل الجنة، ﴿فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ (٢)، وذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه (٣).

فإذا كان الرجل رأسًا في الخير يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه دعي باسمه واسم أبيه فيتقدم (٤)، حتى إذا دنى أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض في باطنه السيئات وفي (٥) ظاهره الحسنات، فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق (٦) ويسفر وجهه ويتغير لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك، وقد غفرت لك، فيفرح عند ذلك فرحًا شديدًا (٧)، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحًا، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك قد (٨) ضوعفت لك فيبيض وجهه، ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه، ويكسى حلتين، ويحلى كل مفصل منه ويطول ستين ذراعًا، وهي قامة آدم ويقال له: انطلق إلى أصحابك فبشرهم وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا، فإذا أدبر قال: ﴿فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠)﴾، قال الله تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١)﴾ أي مرضية قد رضيها، ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢)﴾ في السماء، ﴿قُطُوفُهَا﴾ ثمارها وعناقيدها ﴿دَانِيَةٌ﴾ أدنيت منهم، فيقول لأصحابه: هل تعرفوني؟ فيقولون: قد غمرتك ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾، أي قدمتم في أيام الدنيا.

وإذا (٩) كان الرجل رأسًا في الشر يدعو له (١٠) ويأمر به فيكثر تبعه عليه


(١) هذه الآية وما بعدها إلى قوله: ﴿فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة: ١٩ - ٣٢].
(٢) في (ع): أي هاكم.
(٣) ذكر هذا التوهم المحاسبي في كتابه التوهم ص (٥٦).
(٤) في (ع): على ما تقدم.
(٥) (في): ليست في (ع).
(٦) (فيشفق): ليست في (ظ).
(٧) في (ع): عظيمًا.
(٨) (قد): ليست في (ظ).
(٩) في (ع): فإذا.
(١٠) في: (ع، ظ): إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>