للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال بعض الأغبياء (١): لا وجه لحمل الحديث على ما ذكرتموه، فإن فيه: (أنا الديان) وليس يصدر هذا القول حقًّا وصدقًا إلا من رب العالمين.

قيل له: إن الملك إذا كان يقول عن الله تعالى وينبئ (٢) عنه فالحكم يرجع إلى رب العالمين كما بينت (٣)، والدليل عليه: إن الواحد منا إذا تلا قول الله تعالى: ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ﴾ [القصص: ٣٠] فليس يرجع إلى القارئ وإنما القارئ ذاكرًا لكلام الله (٤) تعالى، ودال عليه بأصواته، وهذا بين، وقد أتينا


=كلامًا ذا حروفٍ وأصواتٍ ولا قرأ قارئ البتة إلا ذلك، وقد أكد ذلك بذكر الحروف المقطعة في أوائل السور منه مثل ﴿المَ (١)﴾، ﴿كهيعص (١)﴾، ﴿طه (١)﴾ فمن زعم أنها ليست من القرآن فهو كافر، ومن زعم أنها من القرآن والقرآن ليس بكلام الله فهو كافر، ومن زعم أنها عبارة عن الكلام الذي لا حروف فيه قيل له: هذا جهل وغباء؛ لأن الكلام الذي تزعمه ليس يعرفه سواك، ولا يدري ما هو غيرك، وأنت أيضًا لا تدريه وإنما تتخبط فيه، والنبي يقول: "من قرأ سورة الإخلاص" و "من قرأ آية الكرسي" و "من قرأ حرفًا من القرآن"، فبين أن القرآن سور وآي وحروف، وأما الصوت: فقد زعموا أنه لا يخرج إلا من هواء بين جرمين؛ ولذلك لا يجوز وجوده من ذات الله تعالى. والذي قالوه باطل من وجوه - منها -: ألا ترى أن النبي ذكر سلام الحجر عليه، وعلم تسبيح الحصا في يده، وتسبيح الطعام بين يديه، وحنين الجذع عند مفارقته إياه، وما جاء لشيء من ذلك هواء منخرق بين جرمين، وقبل كل شيء ينبغي أن يعلم يعلم اعتمادنا في المعتقدات أجمع على السمع، فإذا ورد السمع بشيء قلنا به، ولم نلتفت إلى شبهة يدعيها مخالف. ا. هـ. كلامه مختصرًا، انظر: رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت له، تحقيق د. محمد باكريم، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية الأولى لسنة ١٤١٣ هـ.
(١) الأولى الترفع عن مثل هذه الألفاظ.
(٢) في (ظ): ينبئنا.
(٣) (كما بينت): ليست في (ع، ظ).
(٤) ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية كلام الإمام أحمد في رده على الجهمية الذين أنكروا كلام الله تعالى، حيث قال رحمه الله تعالى: أنكرت الجهمية أن يكون الله كلم موسى، فقلنا: لم أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم إنما كوّن شيئًا فعبر عن الله وخلق صوتًا فأسمع وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين، فقلنا: فهل يجوز لمكون غير الله أن يقول: ﴿يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ أو يقول: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)﴾، فمن زعم أن ذلك غير الله فقد ادعى الربوبية، ولو كان كما زعم الجهمي أن الله كوَّن شيئًا كان يقول ذلك المكوّن: يا موسى أنا الله رب العالمين، لا يجوز له أن يقول: ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، وقد =

<<  <  ج: ص:  >  >>