للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشتات الخلائق وأجناس العوالم دار دنيا ودار أخرى وجعل لها أفلاكًا وآفاقًا (١) وظلمًا وأضواء، فكل في فلكه واقفة بليله ونهاره، وسمعه وبصره، وعلمه وفهمه، وحاكم من عقله أو جهله، وقائم بنحلته وحكمته وسنته وشرعته فأدنى وأعلى من الروحانية الأقصى إلى الجمادية الأقسى، فالملائكة الروحانية في مصافها ترانا من حيث لا نرى، وتعلم منا (٢) أكثر مما نعلم، وإنها لتشاهد من نقصنا وقلة عقلنا في الموضع الذي يجب العلم به وإعمال العقل فيه ما تحكم به علينا أكثر مما يحكم به على الأنعام من قلة العقل وتحقيق المعرفة، فمن نظر إلى الأنعام وجدها من حيث نحن لا من حيث فلكها وأفقها لا تسمع ولا تعقل إلا ميزًا إما (٣) قدر ما تتسخر به وتتذلل طبعًا فتلقن (٤) المراد منها من هذا الفن خاصة لا غير، وأما ما نحن بسبيله من تصرفات وتعملات فليس لها ذلك من حيث الفلكية التي احتازتها (٥) عنا والأفقية (٦) التي اقتطعتها منا فهي في طرقاتنا (٧) ضلال وبتعملاتنا (٨) وأحوال تصرفاتنا جهال، وأما من حيث شرعتها، وباطن رؤيتها فعارفة عقال، قال حين أخذ الجمل القضم الذي ند وامتنع بحائط بني النجار، وغلب الخلق عن أخذه والوصول إليه حتى جاء (٩) فلما مشى إليه ورآه الجمل برك لديه وجعل يمر بِمشْفَرِه (١٠) على الأرض بين يديه تذللًا وتسخيرًا، فقال : هات الخطام فلما خطمه ورأى


(١) في (ع): وأفقًا.
(٢) في (الأصل): ما، وتصويبه من (ع، ظ).
(٣) في (الأصل): ما، وتصويبه من (ع، ظ)، ويدل عليه أيضًا الجملة التي بعدها، وأما ما نحن. . .
(٤) في (ع): فتلقى.
(٥) في (الأصل): الذي اجتاز بها، ولا يستقيم بها المعنى، وما أثبته من (ع، ظ، م).
(٦) في (الأصل، ظ): الأقضية، وما أثبته من (ع، م) ولمناسبة السياق.
(٧) في (ع): طرقاتها.
(٨) في (ع): وتعملاتها.
(٩) في (ع): جاء رسول الله.
(١٠) في (الأصل): شفره، والتصويب من (ع، ظ، لسان العرب)، والمِشْفَر للبعير كالشفة للإنسان، انظر: لسان العرب ٤/ ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>