للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الخطابي (١): "إنما جاء ذكر الكشف عن الساق على معنى الشدة، فيحتمل أن يكون معنى الحديث: أنه يبرز من أهوال يوم القيامة وشدتها لما (٢) يرتفع معه سواتر الامتحان فيميز عند ذلك أهل اليقين والإخلاص، فيؤذن لهم في السجود ويكشف (٣) الغطاء عن أهل النفاق فتعود ظهورهم طبقًا واحدًا لا يستطيعون السجود. قال: وقد تأوله بعض الناس فقال: لا ينكر أن يكون الله سبحانه قد يكشف لهم عن ساق لبعض المخلوقين من ملائكته (٤) أو غيرهم فيجعل ذلك سببًا لما شاء في حكمه (٥) في أهل الإيمان والنفاق".

قال الخطابي (٦): "وفيه وجه آخر لم أسمعه من قدوة وقد يحتمله معنى اللغة: سمعت أبا عمر يذكر عن أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي فيما عده


= بوجه فإن لغة القوم أن يقال: كُشفت الشدة عن القوم، لا كشفت عنها، كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ﴾ فالعذاب هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضًا هناك شدة لا تزول إلا بدخول الجنة، وهنا لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة" مختصر الصواعق المرسلة ص (٢٦ - ٢٧).
قال القاضي أبو يعلى: "فإن قيل: المراد بذكر الساقها هنا: شدة الأمر، قيل هذا غلط من وجوه:
أحدها: أنه قال: "فيتمثل لهم لرب وقد كشف عن ساقه"، والشدائد لا تُسمى رَبًّا.
الثاني: إنهم التمسوه ليتبعوه لينجوا من الأهوال والشدائد التي وقع فيها من كان يعبد غيره، وإذا كان كذلك لم يجز أن يلتمسوه على صفة تلحقهم فيها الشدة والأهوال.
الثالث: أنه قال: "فيخرون سجدًا" والسجود لا يكون للشدائد. انظر: إبطال التأويلات لأخبار الصفات ١/ ١٥٩ - ١٦٠، تحقيق محمد النجدي، مكتبة دار الإمام الذهبي، ط. الأولى ١٤١٠ هـ.
وعلى كل حال فإن تفسير ابن عباس للساق إن ثبت عنه فإنه ليس من قبيل تأويلات الأشاعرة التي يصرفون بها نصوص الصفات عن ظاهرها وإنما فسرها بمقتضى اللغة، وربما لم يبلغه حديث أبي سعيد الخدري، قال شيخ الإسلام بن تيمية في تفسير ابن عباس للآية: "ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف" مجموع الفتاوى ٦/ ٣٩٤.
(١) في أعلام الحديث له ٣/ ١٩٣٣.
(٢) في (ع، ظ): ما.
(٣) في (ع، ظ): وينكشف.
(٤) في (ظ): كملائكته.
(٥) (ع، ظ): فيجعل ذلك سببًا لما شاء الله في حكمه.
(٦) في أعلام الحديث ٣/ ١٩٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>