للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كل صاحب عمل في الدنيا قد أصاب في عمله وكل صاحب تجارة وصانع قد أصاب في تجارته غير صاحبي قد شغل فيّ نفسه، فيقول له الرب تعالى: فما تسأل؟ فيقول: المغفرة والرحمة ونحو هذا، فيقول: فإني قد غفرت له، ثم يكسى حلة الكرامة ويجعل عليه تاج الوقار فيه لؤلؤة تضيء (١) من مسيرة يومين، ثم يقول: يا رب إن أبويه قد كان شغل عنهما، وكل صاحب عمل وتجارة قد كان يدخل على أبويه (٢) من عمله فيعطيان مثل ما أعطى.

ويتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجهًا وأنتنه ريحًا، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده وكلما تخوف شيئًا (٣) زاده خوفًا، فيقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت؟ فيقول: وما تعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك، كان قبيحًا فكذلك تراني قبيحًا، وكان منتنًا فكذلك تراني منتنًا، فطأطئ رأسك أركبك، فطال ما ركبتني في الدنيا، وهو قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل: ٢٥].

قلت: ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي، ومعناه يستند (٤) من حديث قيس بن عاصم المنقري أن النبي قال له: إنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك، وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريمًا أكرمك، وإن كان لئيمًا أسلمك ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحًا، فإنه إن كان صالحًا لم تأنس إلا به، وإن كان فاحشًا لم تستوحش إلا منه، وهو فعلك.

وذكر أبو الفرج الجوزي (٥) في كتاب روضة المشتاق والطريق إلى الملك الخلاق: قال رسول الله : "يؤتى يوم القيامة بالتوبة في صورة حسنة ورائحة طيبة ولا يجد رائحتها ولا يرى صورتها إلا مؤمن، فيجدون لها رائحة وأنسًا،


(١) في (ظ): لؤلؤ يضيء.
(٢) في (الأصل): عليه أبويه، والتصويب من: (ع، ظ).
(٣) في (ع): بشيء.
(٤) في (ع، ظ): وهذا يستند.
(٥) أبو الفرج الجوزي: هكذا في جميع النسخ، والصواب أبو الفرج بن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>