للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما (١) يجمعان في نار جهنم لأنهما قد عبدا من دون الله تعالى، ولا تكون النار عذابًا لهما؛ لأنهما، جماد، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم.

وقال ابن قسي صاحب خلع النعلين: اعلم أن الشمس والقمر ثوران مكوران في نار جهنم على سُنة هذا التكوير، فنهار سعير وليل زمهرير والدار دار قائمة لا فرق بينها وبين هذه في حركة (٢) التسيار والتدوار، ومدار فلكي الليل والنهار إلا أن تلك خالية من رحمة الله تعالى ومع هذه رحمة واحدة من رحمة (٣) الله، وعن الشمس والقمر يكون سواد الدار ولهب ظاهر النار، وهما من أشد الغضب الله تعالى بما (٤) عانياه من عصيان العاصين وفسق الفاسقين؛ إذ لا يكاد يغيب عنهما أين ولا تخفى عنهما خائنة عين، فإنه لا يبصر أحد إلا بنورهما ولا يدرك إلا بضوئهما ولو كانا خلف حجاب من الغيب (٥) أو وراء ستر من الغيم اليومي فإن الضوء الباقي على البسيطة في ظل الأرض ضوءهما، والنور نورهما ومع ما هما عليه من الغضب الله تعالى فإنه [لم] (٦) يشتد غضبهما إلا من حيث نزع لجام الرحمة عنهما وقبض ضياء اللين والرأفة منهما، وكذلك عن كل ظاهر من الحياة الدنيا في قبض الرحمة المستردة من هذه الدار إلى دار الحيوان والأنوار.

قال "إن لله مائة رحمة نزل منها واحدة إلى أرض الدنيا، فبها تتعاطف البهائم، ويتراحم الخلق، وتتواصل الأرحام، فإذا كان يوم القيامة قبض الله هذه الرحمة وردها إلى التسعة والتسعين وأكملها مائة" (٧) كما كانت، ثم جعل المائة كلها رحمة للمؤمنين، وخلت دار العذاب ومن فيها من الفاسقين من


(١) في (ع): فإنما، وفي (ظ): وإنما.
(٢) في (ع): حركات.
(٣) (من رحمة): ساقطة من (ع).
(٤) في (ع): لما، وفي (ظ): مما، والأصل متوافق مع (م).
(٥) في (ظ، م): من الغيب الليلي.
(٦) ما بين المعقوفتين من (ظ، م)، وفي (ع): لا.
(٧) أخرجه البخاري ٥/ ٢٣٧٤، ح ٦١٠٤؛ ومسلم ٤/ ٢١٠٨، ح ٢٧٥٢ في صحيحيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>