للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمة رب العالمين، فبزوال هذه الرحمة زال ما كان به القمر من رطوبة وأنوار، ولم يبق إلا ظلمة وزمهرير، وبزوالها زال ما كان بالشمس من وضح وإشراق ولم يبق إلا فرط سواد وإحراق، وبما كانا به قبل الصفة الرحمانية كان إمهالهما للعاصين وإبقاؤهما على القوم الفاسقين، وهي زمام الإمساك ولجام المنع عن التدمير والإهلاك، وهي سنة الله في الإبقاء إلى الأوقات والإمهال إلى الآجال إلا أن يشاء غير ذلك، فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه، لا إله إلا هو سبحانه (١).

[قال الشيخ : وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن كعب الأحبار في قوله: "هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، والله أكرم وأجل من أن يعذب على طاعة، ألم تر إلى قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ [إبراهيم: ٣٣] يعني ذوبهما في طاعته، فكيف يعذب عبدين أثنى الله عليهما أنهما ذائبان في طاعته، ثم حدث عن رسول الله : "أن الله تعالى لما أبرم لخلقه أحكامًا ولم يبق غير آدم خلق شمسًا وقمرًا من نور عرشه (٢). ." الحديث، وفي آخره: "فإذا قامت الساعة وقضى الله في أهل الدارين وميز أهل الجنة والنار، ولم يدخلوها (٣) بعد أن يدعو الله جل وعز بالشمس والقمر يجاء بهما أسودين مكدرين قد وقعا في الزلازل؛ لأن فرائصهما ترعد من أهوال ذلك اليوم من مخافة الرحمن تعالى، فإذا كان حيال العرش خرَّا ساجدين لله تعالى فيقولان: يا إلهنا قد علمت طاعتنا لك وذوبنا في طاعتك، وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فيقول الرب تعالى: صدقتها، إني قد (٤) قضيت على نفسي أبدئ وأعيد (٥)، إني معيدكما كما بدأتكم منه فارجعا إلى ما خلقتكما منه، فيقولان ربنا مم خلقتنا فيقول: خلقتكما من نور عرشي،


(١) (سبحانه): ليست في (ظ، م).
(٢) انظر الكلام في مثل هذا النوع من الأحاديث الذي يدل على وحدة الوجود ص (٢٤٣).
(٣) في (ظ): ولم يدخلها.
(٤) (قد): ليست في (ظ).
(٥) في (ظ): أني أبدئ وأعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>