وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" ١/٣٩٠ في ترجمة الحارث هذا: وقد ذكر ابن منده أن الحارث بن خزمة هو الذي جاء إلى عمر بن الخطاب بالآيتين خاتمة سورة براءة: (لقد جَاءَكُم رَسول من أنفسكم ... ) إلى آخر السورة، وهذا عندي فيه نظر، ثم روى بإسناده من طريق الترمذي حديث زيد بن ثابت: "بعث إلى أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة، وذكر حديث جمع القرآن، وقال: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت" ثم قال: وهذا حديث صحيح، وهو في "جامع الترمذي" (٣١٠٣) . قلنا: وأخرجه البخاري (٤٩٨٦) أيضا، قال الشيخ أحمد شاكر: فهذا هو الثبت، وأما حديث عباد بن عبد الله بن الزبير الذي هنا، فانه حديث منكر شاذ، مخالف للمتواتر المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن بلغه رسول الله لأمته سوراً معروفة مفصلة، يفصل بين كل سورتين منها بالبسملة إلا في "براءة" ليس لعمر ولا لغيره أن يرتب فيه شيئاً، ولا أن يضع آية مكان آية، ولا أن يجمع آيات وحدها فيجعلها سورة، ومعاذ الله أن يجول شيء من هذا في خاطر عمر، ثم من هذا الذي يقول في هذه الرواية هنا: "فوضعتها في آخر براءة" وفي رواية ابن أبي داود: "فألحقتها في آخر براءة"؟ أهو الحارث بن خزمة؟ لا، فإنه لم يكن ممن عهد إليه بجمع القرآن في المصحف، أهو عمر؟ لا، فالسياق ينفيه، لأن هذه الرواية تزعم أنه أمر بوضعها في براءة، فهو غير الذي نفذ الأمر، أم هو الراوي عباد بن عبد الله بن الزبير؟ لا، إنه متأخر جداً عن أن يدرك ذلك، حتى لقد قال العجلي: "وأما روايته عن عمر بن الخطاب فمرسلة بلا تردد". وأما نصُ تفسير ابن كثير في هذه الكلمة" فوضعوها في آخر براءة" فإنه غير صحيح، ومخالف لنص المسند الذي يروي عنه، ولعلها تحريف أو تغيير من أحد الناسخين، فهذا الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن، وهو أحد الأحاديث التي يلعب بها المستشرقون وعبيدهم عندنا، يزعمون أنها تطعن في ثبوت القرآن، ويفترون على أصحاب رسول الله ما يفترون.