وهو أحد السابقين الأولين من نُجباء أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل: كان خامس خمسة في الإسلام، وكان رأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل، قوَّالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم على حِدَّةٍ فيه. أقام في اليمن بعد إسلامه، فلما أن هاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إليه أبو ذر ولازمه وجاهد معه، وشهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب. نزل أبو ذر الشام، ثم وقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان خلاف كما في "صحيح" البخاري (١٤٠٦) عن زيد بن وهب، قال: مررت بالرَّبَذة، فإذا أنا بأبي ذر، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشامِ فاختلفتُ أنا ومعاوية في: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أنِ اقدَم المدينة، فقدمتها، فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا عليَّ حبشياً لسمعتُ وأطعت. وبقي بالربذة إلى أن توفي فيها سنة اثنتين وثلاثين في أواخر خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود، رضي الله عن الجميع. قلنا: والربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام منها، قريبة من ذات عرق، وإنما سأله زيد بن وهب عن سبب نزوله فيها، لأن مبغضي عثمان رضي الله عنه كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر، وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره، وفي حديث عبد الله بن الصامت عند ابن سعد في "الطبقات" ٤/٢٣٢ أنه استأذن عثمان إلى الربذة وفي هذا النص إنما أشار عليه =