سعادةَ الدَّارَيْنِ بمتابعته، وجعل شقاوةَ الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمنُ، والفلاحُ والعزّةُ، والكفايةُ والنُّصرةُ، والولاية والتأييدُ، وطيبُ العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذِّلةُ والصِّغارُ
والخوفُ والضلالُ، والخِذلان والشقاءُ في الدنيا والآخرة، وقد أَقسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن لا يُؤْمِن أَحَدُكُم حتى يَكُونَ هو أَحبَّ إليه مِن ولدِهِ ووالدِهِ والناسِ أَجمعين، وأَقْسَمَ الله سبحانه بأن لا يؤمن من لا يُحكِّمُه في كل ما تنازع فيه هو وغيرُه، ثم يرضى بحكمه، ولا يجدُ في نفسه حرجاً مما حكم به، ثم يُسَلِّمُ له تسليماً، وينقادُ له انقياداً، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فَقَطَع سبحانه وتعالى التَّخييرَ بعد
أمره وأمرِ رسولِهِ، فليس لمؤمنٍ أن يختارَ شيئاً بعد أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل إذا أَمرَ فأمرُه حتم، وإنما الخِيَرَةُ في قولِ غيره إذا خَفي أَمْرُهُ، وكان ذلك الغيرُ مِن أهل العلم به وبسنته، فبهذه الشروطِ يكونُ قولُ غيره سائغَ الاتباع، لا واجبَ الاتباع، فلا يجب على أحدٍ أتباعُ قولِ أحدٍ سواه، بل غايتُه أنه يسوغُ له اتباعُه، ولو تَرَكَ الأخْذَ بقول غيره، لم يكن عاصياً لله ورسولِه، فأَينَ هذا ممن يَجِبُ على جمِيعِ المكلَّفينَ اتِّباعُه، ويَحْرُمُ عليهم مخالفته، ويجبُ عليهم تركُ كُلِّ قول لِقوله، فلا حُكْمَ لأحدٍ معه، ولا قولَ لأحدٍ معه، كما لا تشريعَ لأحدٍ معه، وكل مَنْ سواه، فإنما يجب اتباعُه على قوله إذا أَمَرَ بما أمر به، ونهى عما نهى عنه، فكانَ مُبَلِّغاً محضاً، ومخْبراً لا مُنْشِئاً ومُؤسِّساً، فمن أَنْشأَ أَقوالاً وأَسَّسَ قواعِدَ بحسب فهمِه وتأويلِه، لم يجب على الأُمَّةِ اتِّباعُها، ولا التحاكمُ إليها حتى