وقد سلف الحديث في صوم عاشوراء فقط برقم (١٥٤٧٧) عن وكيع عن سفيان الثوري. وفي الباب ما يشهد له عن غير واحد من الصحابة. وأما أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمر بها، ولم ينه عنها. فقد استدل به بعضهم على نسخ فرضيتها، وتعقَّب هذا البيهقيُّ وغيره فقال في "السنن" ٤/١٥٩: ولهذا لا يدل على سقوط فرضها، لأن نزول فرضٍ لا يوجب سقوط الآخر، وقد أجمع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، وإن اختلفوا في تسميتها فرضاً، فلا يجوز تركها، وبالله التوفيق. قلنا: وقد روي ما يخالفه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب عند البخاري (١٥٠٣) ومسلم (٩٨٤) ، وقد سلف برقم (٤٤٨٦) ، ولفظه عند أحمد: فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة رمضان، على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعَ تمرٍ أو صاعَ شعير، قال: فعَدَلَ الناس به بعدُ نصفَ صاع بُرٍّ. قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" ٦/٥١-٥٢: ففي هذا الحديث ذِكرُ فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها، وفيه تعديل الناس إياها ... وذلك لا يكون إلا مع بقاء فرضها، فكان هذا مخالفاً قاله قيسٌ في ذلك. ثم ذكر وجهاً آخر محتملاً يُوفَّق فيه بين الحديثين، فانظره. وقال السندي: قوله: "فلم ننه عنها": على بناء المفعول وكذا "لم نؤمر"، ولعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر بعضهم ثانياً، واكتفى بالأمر الأول، وهذا لا ينفي الوجوب. وانظر "فتح الباري" ٣/٣٦٧-٣٦٨، و"المحلى" ٦/١١٩. وستأتي قصة الزكاة وحدها برقم (٢٣٨٤٣) عن وكيع عن سفيان.