للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يغزو بلادَ الرومِ، فحُمِل إليه الإِمامُ مقيَّداً، وما إن وَصَل إلى الرَّقَّةِ حتى جاء نَعْيُ المأمون، فَرُدَّ إلى بغداد، وسُجِن فيها (١) .

وتولَّى المعتصمُ الخلافةَ، وراح يُكْمِلُ ما بدأ فيه أخوه نزولاً عند وصيته، فأحضر الإمامَ أحمد من سجنه - وكان قد مرَّ عليه فيه سنتان وأربعةُ أشهرٍ - (٢) وناظره في قصره مدةَ ثلاثةِ أيام (٣) ، وحين أعياه ثباتُ الإِمام أحمد وجرأته أَمَر بضَرْبِه، وذلك بمشورة قاضي قضاته المعتزلي أحمد بن أبي دُوَاد، فقام الجلادون بضربه بالسياط ضرباً مُبَرِّحاً أشرف فيه على التلف، وكي لا تقومَ العامَّةُ الهائجة خارجَ القصر باضطراب لا يُعرف كيف السبيلُ للسَّيطرةِ عليه، أمر المعتصم بالإِفراج عنه، وهو يظن في نفسه أنه ميتٌ لا مَحالة (٤) ، فأفرج عنه سنة (٢٢٠ هـ) ، ولكن الإِمام أحمد تماثل للشفاء وإنْ بَقِيَتْ آثار ضربه ظاهرة على جسده، وعاد إلى ما كان عليه من التحديث والفتيا وحضور الجمعة والجماعة، وظلَّ كذلك حتى وفاة المعتصم سنة (٢٢٧ هـ) وولاية الواثق إلى أوائل سنة (٢٢٨ هـ) (٥) ، إذ عاد الواثق إلى إثارة محنة خَلْق القرآن من جديد، وطلب أن تُدَرَّس هذه المسألةُ للصبيان في الكُتَّاب، فضجَّ الفُقهاءُ والمحدثون لهذا الأمر، وكادت أن تقع فتنة لولا أن الإمامَ أحمد أمرهم بالصبر حين قصدوه يُعلِنُون تبرُّمَهم من هذا الأمر، وعلم الواثقُ بخبر هذا الاجتماع، فأرسلَ الى الإِمام أحمد: أن لايجتمعنَّ إليك أحدٌ، ولا تُساكنِّي بأرضٍ ولا مدينةٍ أنا فيها، فاذهب حيثُ شئتَ من أرض الله. فلزم الإِمام أحمد بيته لا


(١) السير: ١١ / ٢٣٨، ٢٤٢ - ٢٤٣، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي: ٣١٦.
(٢) السير: ١١ / ٢٥٢.
(٣) السير: ١١ / ٢٤٣ - ٢٥٢.
(٤) السير: ١١ / ٢٦٠ - ٢٦١.
(٥) السير: ١١ / ٣١٢.