وقد ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت، صح العقد عليها، وإلا فلا، وكذلك لا يَصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبةً صحيحة، وبه قال قتادة وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام. انظر "المغني" لابن قدامة ٩/٥٦٢-٥٦٤. وقال ابن خويز منداد فيما نقله عنه القرطبي ١٢/١٧١: من كان معروفاً بالزنى أو بغيره من الفسوق معلنا به، فتزوج إلى أهل بيت ستر، وغرهم من نفسه، فلهم الخيار في البناء معه أو فراقه، وذلك كعيبٍ من العيوب، واحتج بقوله عليه السلام: "لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله"، وقال: إنما ذكر المجلود لاستشهاده بالفسق، وهو الذى يجب أن يفرق بينه وبين غيره، فأما من لم يشتهر بالفسق، فلا. وقال الأمير الصنعاني في "سبل السلام" ٣/١٢٧-١٢٨: الحديث دليل على أنه يحرم على المرأة أن تزوج بمن ظهر زناه، ولعل الوصف بالمجلود بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنى، وكذلك الرجل يحرم عليه أن يتزوج بالزانية التي ظهر زناها، وهذا الحديث موافق قوله تعالى: (وحرمَ ذلِكَ على المؤْمنين) [النور: ٣] ، إلا أنه حمل الحديثَ والآيةَ الأكثرُ من العلماء على أن معنى: لا ينكح: لا يرغب الزاني المجلود إلا في مثله، والزانية لا ترغب في نكاح غير العاهر، هكذا تأولوهما، والذى يدل عليه الحديثُ والآية النهي عن ذلك لا الِإخبار عن مجرد الرغبة، وأنه يحرم نكاح الزاني العفيفةَ، والعفيفِ الزانيةَ، ولا أصرحَ من قوله: (وحرمَ ذلك على المُؤْمنين) ، أي: كاملي الإيمان الذين هم ليسوا بزناة، وإلا فإن الزاني لا يخرج عن مسمى الِإيمان عند الأكثر.