للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجالا من الأنصار «١» استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا «٢» العباس فداءه، فقال: «لا والله، لا تذرون له درهما» «٣» .

وهذا غاية العدل والإنصاف في المعاملة، فرسول الله مع رحمته بعمه وشفقته عليه وتخوفه أن يقتل وهو يرجى من ورائه للإسلام خير كثير، تأبى عليه نفسه السامية أن يفرّق بينه وبين الأسارى في الفداء، أو أن يقبل أن يمن عليه الأنصار خشية أن يكون عملهم هذا لمكانه من رسول الله وقرابته، مع أنه صلى الله عليه وسلم منّ على بعض الأسارى دون فداء، وهذا ليس بعجيب ممن كان خلقه القران.

ومن الأسرى: أبو عزّة الشاعر، كان فقيرا ذا عيال، فقال: يا رسول الله، لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن عليّ، فمنّ عليه رسول الله، وأخذ عليه ألايظاهر عليه أحدا، فتعهّد بذلك ومدح الرسول بشيء من شعره.

ثم لم يلبث أن أغراه المشركون بهجاء النبي والمسلمين، ففعل بعد أن تمنّع، وصار يؤلب على المسلمين لأجل أحد، وقد حضر الموقعة فأسر، فسأل النبي أن يمنّ عليه فقال له: «لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين» ، ثم أمر به فضربت عنقه، وقيل: إن الرسول قال له: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ، قيل: إن هذا من الأمثال التي لم تسمع إلا منه عليه الصلاة والسلام «٤» .

ومن الأسرى: الوليد بن الوليد، افتداه أخواه خالد وهشام، فلما افتدي ورجع إلى مكة أسلم، فقيل له: هلّا أسلمت قبل الفداء، فقال: خفت أن


(١) هم بنو النجار، وقد كان وقع في أسرهم، ولعل الذين أرادوا أن يقتلوه غير بني النجار، أو بعض اخر منهم، فلا تنافي بين هذه الرواية والسابقة.
(٢) هم أخوال أبيه عبد المطلب لأن أمه سلمى بنت عمرو من بني النجار ففي الكلام تجوز.
(٣) البداية والنهاية، ج ٣ ص ٢٩٩.
(٤) المرجع السابق، ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>