للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بيّن سبحانه رضوانه على أهل بيعة الحديبية فقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: هي شجرة سمرة كانت هناك، وقد بني عندها مسجد، وقد كان الناس يأتون الشجرة ويصلون عندها، حتى كان زمان خلافة الفاروق عمر فقطعها خشية افتتان البعض بها. فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الإيمان فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً: هو صلح الحديبية. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها: هي مغانم خيبر. وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً: لا يغالبه غالب. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها: هي جميع المغانم التي غنموها فيما بعد من العرب وغيرهم. فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ مغانم خيبر. وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ: لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة، وكذلك كف أيدي اليهود وغيرهم عمن خلفتموهم وراء ظهوركم بالمدينة من عيالكم ونسائكم. وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: عبرة لهم أن الله ناصرهم، وأن الخيرة فيما اختاره الله لهم، وإن كرهوه في الظاهر.

وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بانقيادكم لأمره وطاعتكم لرسوله. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً: الاخرى: قيل فتح مكة، وقيل: فتوح فارس والروم.

ثم بين سبحانه أنه لم يختر لهم القتال لحكم تجلت، لا لضعفهم، ولو أنهم قاتلوكم لانتصرتم عليهم فقال: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً: من دون الله، أما أنتم فالله وليكم وناصركم. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا: أي سنة الله وعادته في الأمم أن ينتصر أهل الإيمان على أهل الكفر، والحق على الباطل، وأن العاقبة والنصر في النهاية إنما هي للمتقين المخلصين.

ثم قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً: امتنان من الله على عباده المؤمنين حيث كفّ أيدي المشركين عنهم فلم ينلهم منهم سوء، وكف أيدي المسلمين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، وصد كلّا من

<<  <  ج: ص:  >  >>