للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفريقين عن الاخر لحكم بالغة يعلمها، وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم. وكان المشركون قد أرسلوا عيونا على المسلمين نحوا من سبعين، فأسرهم المسلمون وجاؤوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله منهم.

ثم قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: أن تعتمروا به. وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، يعني وصدّوا الهدي الذي سقتموه وبقي محبوسا بالحديبية عن أن يبلغ محل نحره وهو الحرم، ثم بين سبحانه الحكمة في أنه لم يأذن له في القتال مع قدرتهم عليه بقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ: هم المستضعفون والمستضعفات ممن أسلموا وأقاموا بمكة ولم يستطيعوا الهجرة. لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ: أي تقتلوهم بغير علم.

فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ: أي ينالكم بقتلهم سبة وإثم ويقول المشركون: قتلوا إخوانهم في الدين، وجواب لولا محذوف تقديره لسلطناكم عليهم فقاتلتموهم وأبدتموهم. لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ متعلق بمحذوف أي كففناكم عنهم ليكون لهم فسحة فيفيء بعضهم إلى الإسلام، وهذا ما كان، فقد أسلم منهم بين الحديبية والفتح أبطال مغاوير كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن عبد الدار. لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً: تزيلوا: تميزوا، يعني لو تميز المؤمنون عن الكافرين لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلا ذريعا.

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ: هي الغضب والأنفة فأبوا أن تدخلوا مكة معتمرين، وأبو أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وأبو أن يكتبوا: محمد رسول الله. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ: فلم تأخذهم الحمية فيعصوا الله في قتالهم، ولكنهم كظموا غيظهم، وأذعنوا لنبيهم. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى: هي كلمة الإيمان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعملوا بموجبها ووقفوا عند ما أمر الله ورسوله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها: أحق بكلمة التقوى وأهلا للعمل بها واحترامها. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. فقد وسع علمه كل شيء، أما علمكم فقاصر، ومن كان هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>