والعشرين من صفر أو لأربع خلون من ربيع الأول ولحقا بالغار، واحتمل أبو بكر كل ماله خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، ولحقهما الكفار فرأوا نسج العنكبوت وبيض الحمامة بفم الغار فانصرفوا، وجعل أبو جهل مائة أبل لمن ظفر بهما، فلم يزل القوم يطوفون في جبال مكة وبعثوا القافة، فكانا في الغار ثلاثة أيام حتى سكن الناس، يبيت عندما عبد الله ويصبح مع قريش كبائت، فلا يسمع أمرًا يكادان به إلا وعاه ويخبرهما به، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غمان فييريحها عليهما حين يذهب ساعة من الليلن فيبيتان في لبن، واستأجر رجلًا من بني الديل وهو كافر فمناه فرعى راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث، فخرجا من الغار لغرة ربيع الأول، وكان معه أربعة: أبو بكر وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط، فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى لحقنا سراقة بن مالك. فقال:"لا تحزن أن الله معنا" فقال: اللهم اكفنا بما شئت! فساخت قوائم فرسه، فقال: ادع الله! فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب! فدعا، فأطلق ورجع إلى أصحابه، وروى أنه قال: اكتب لي كتابة تكون آية لي! فكتب أبو بكر، قال: وعرضت عليه الزاد والمتاع فلم يأخذا، فلما فتح مكة عرضت عليه الكتاب فاكرمني وأسلمت. ومما جرى في الطريق أنه ركب بريدة بن الحصيب في سبعين راكبًا من أهل بيته ليكبدوا به صلى الله عليه وسلم فتلقى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر: برد أمرنا وصلح! فأسلم هو ومن معه، فحل عمامته وشدها في رمح جعله علمًا، ثم مشى بين يديه. ونزلوا في الطريق على خيمة أم معبد فأضافتهم، وشربوا من لبنهم ثم ساروا؛ فلما سمع الأنصار خروجه كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فلما قربوا من المدينة بصر بهم يهودي فنادى بأعلى صوته: يا معشر العرب! هذا جدكم الذي تنتظرونه! فثار المسلمون إلى السلاح وتلقوه إلى الحرة، فنزل في بني عمرو