للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن ضعفوا عن لقاء عدوٍّ في الدين يعادي، ويُرَاوِحُ (١) مَعَاقِلَهُ بالعَيْثِ (٢) ويُغادي (٣)، حتى لم يبق في أيديهم منها إلا ما هو في ضمانِ هُدْنَةٍ مُقدَّرةٍ وإِتَاوَةٍ (٤) في كل عام على الكبير والصغير مقررة"، قال صاحب نفح الطيب (٥): هذا قاله قبل أن يستولي العدو على جميعها.

وفي المقابل استغل النصارى الإسبان هذا التفكك والضعف، فوحدوا كلمة الممالك الإسبانية النصرانية السابقة بقيادة ملك قشتالة، وبرعايةٍ قويةٍ من البابوية؛ للقضاء على الوجود الإسلامي في بلاد الأندلس، حيث كان البابا يتولى بنفسه التقارب بين ممالك الإسبان النصرانية، وتوحيد كلمتها ضد المسلمين (٦)، فبدأ النصارى الإسْبان يشنون الغارة تلو الغارة على بلاد الأندلس، وكان من بين تلك الغارات غارة شنها النصارى الإسبان على قرطبة سنة سبع وعشرين وستمائة (٦٢٧ هـ)، وكان من نتائجها قَتْلُ والد القرطبي المؤلف رحمهما الله تعالى، حيث يخبرنا القرطبي عن تلك الغارة ضمن مسألة أوردها في تفسيره (٧) عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)[آل عمران: ١٦٩] قال: "العدو إذا صبح قومًا في منزلهم ولم يعلموا به، فقتل منهم، فهل يكون حكمه حكم قتيل المعترك، أو حكم سائر الموتى؟ وهذه المسألة نزلت عندنا بقرطبة أعادها الله، أغار العدو قصمه الله صبيحة الثالث من رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وستمائة والناس في أجْرَانِهم (٨) على غفلة فقتلَ وأسرَ، وكان مِن جملة مَن قتل


(١) الرَّوَاحُ: نقيض الصباح، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل، الصحاح ١/ ٣٦٨.
(٢) العَيْثُ: الإفساد، الصحاح ١/ ٢٨٧.
(٣) الغُدُوُّ: نقيض الرواح، وهو الوقت ما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، الصحاح ٦/ ٢٤٤٤.
(٤) الإتَاوَةُ: الخراج، الصحاح ٦/ ٢٢٦٢.
(٥) ٤/ ٤٤٦.
(٦) انظر: دولة الإسلام في بلاد الأندلس القسم الثاني ص (٥٩٠).
(٧) الجامع لأحكام القرآن ٤/ ١٧٤ فقرة رقم ٢٧٢.
(٨) في لسان العرب لابن منظور ١٣/ ٨٧: جَرَن جُرُونًا أي تعود أمرًا. فلعل مراد المؤلف أن الناس كانوا فيما اعتادوا عليه من أعمالهم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>