للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وكذلك من استعمل آنية الذهب والفضة ولم يتب من استعمالها.

وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله : "من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين، فقيل: ومن الروحانيون يا رسول الله؟ قال: قراء أهل الجنة"، خرجه الترمذي أبو عبد الله في نوادر الأصول (١).

وقد قيل: إن حرمانه للخمر، ولباسه للحرير، وشربه في إناء الذهب والفضة، واستماعه للروحانيين إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار، ويسقى من طينة الخبال، فإذا خرج من النار بالشفاعة أو بالرحمة العامة المعبر عنها في الحديث بالقبضة (٢)، أدخل الجنة ولم يحرم شيئًا منها، لا خمرًا ولا حريرًا ولا غيره؛ لأن حرمان الشيء من لذات الدنيا لمن كان في الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة، والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه.

قلت: وحديث أبي سعيد الخدري وأبي موسى يرد هذا القول وكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه، وليس ذلك بعقوبة، كذلك لا يشتهي خمر الجنة ولا حريرها، ولا يكون ذلك عقوبة والله أعلم.

قوله تعالى: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ [الكهف: ٣١]، وقال: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ﴾ [الإنسان: ٢١]، وقرئ (٣): ﴿عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق﴾، الإستبرق: الديباج الصفيق الكثيف، والسندس: الخفيف الرقيق (٤). وخص الأخضر؛ لأنه الموافق للبصر؛ لأن البياض يبدد النظر ويؤلم، والسواد يورم، والخضرة لون بين البياض السواد، وذلك يجمع الشعاع والله أعلم.


(١) في الأصل الحادي والعشرين والمائة ٢/ ٨٧، قال الألباني: ضعيف، انظر: ضعيف الجامع الصغير ص (٧٨١)، ح ٥٤٠٩.
(٢) يشير إلى الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم ١/ ١٨٠، ح ١٨٣ وفيه " .. فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط .. ".
(٣) عزاها ابن جرير في تفسيره ١٢/ ٣٧١ إلى بعض قراء مكة.
(٤) في (ع، ظ): الرقيق النحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>