للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: التوبة النصوح هي (١) رد المظالم، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات، وقيل غير هذا.

وبالجملة فالذنوب التي يتاب منها إما كفر، أو غيره: فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على سالف كفره (٢)، وليس مجرد الإيمان نفس توبته (٣)، وغير الكفر إما حق لله وإما حق لغيره، فحق الله تعالى يكفي في (٤) التوبة منه الترك، غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها (٥) بمجرد الترك بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء: كالصلاة، والصوم، ومنها ما أضاف إليها كفارة: كالحنث في الأيمان وغير ذلك. وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقها، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم، ومن لم يجد السبيل لخروج (٦) ما عليه لإعساره فعفو الله مأمول، وفضله مبذول: فكم ضمن من التبعات، وبدل من السيئات بالحسنات، وعليه أن يكثر من الأعمال الصالحات، ويستغفر (٧) لمن ظلمه من المؤمنين والمؤمنات. فهذا الكلام في حقيقة التوبة.

وقد روي مرفوعًا في صفة التائب من حديث ابن مسعود أن النبي قال وهو في جماعة من أصحابه: "أتدرون من التائب؟ قالوا: اللهم لا، قال:


(١) (هي): ليست في (ظ).
(٢) في (ظ): على ما سلف من كفره.
(٣) في (الأصل): توبه، والتصويب من (ع، ظ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الكافر إذا اسلم فإن إسلامه يتضمن التوبة من الكفر، فيغفر له بالإسلام الكفر الذي تاب منه، وهل تغفر له الذنوب التي فعلها في حال الكفر ولم يتب منها في الإسلام؟ هذا فيه قولان معروفان، أحدهما: يغفر له الجميع لإطلاق قوله : "الإسلام يهدم ما كان قبله" رواه مسلم ١/ ١١٢، ح ١٢١ مع قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: ٣٨].
والقول الثاني: أنه لا يستحق أن يغفر له بالإسلام إلا ما تاب منه، فإذا أسلم وهو مصر على كبائر دون الكفر فحكمه في ذلك حكم أمثاله من أهل الكبائر، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأصول والنصوص. ا. هـ. مجموع الفتاوى ١٠/ ٣٢٣ - ٣٢٤، ولمزيد من البيان، انظر: المرجع السابق، وشرح النووي على صحيح مسلم ٢/ ١٣٦.
(٤) في (الأصل): فيه، والتصويب من (ع، ظ).
(٥) في (ع): منه.
(٦) في (ع): إلى خروج.
(٧) في (ع، ظ): وليستغفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>