للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسمية العامة والمقلد مؤمنين قال: فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحًا لما صح أن يُسمّى مؤمنًا إلا من عنده علم بالنظر والاستدلال، قال: وأيضًا فلو كان الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال لجاز للكفار إذا غلب عليهم المسلمون أن يقولوا لهم: لا يحل لكم قتلنا لأن من دينكم أن الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال فأخرونا حتى ننظر ونستدل، قال وهذا يؤدي إلى تركهم على كفرهم وألا يُقتلوا حتى ينظروا ويستدلوا.

قلت: (١): هذا هو الصحيح في الباب، قال رسول الله : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (٢)، وذهب بعض المتأخرين والمتقدمين من المتكلمين إلى أن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه، وهو كافر، فيلزم على هذا تكفير أكثر المسلمين، وأول من يبدأ بتكفيره آباؤه وأسلافه وجيرانه، وقد أورد على بعضهم هذا فقال: لا تشنع علي بكثرة أهل النار، أو كما قال.

قلت (٣): وهذا القول لا يصدر إلا من جاهل بكتاب الله وسنة نبيه؛ لأنه ضيق رحمة الله الواسعة على شرذمة يسيرة من المتكلمين اقتحموا في تكفير عامة المسلمين، أين هذا من قول الأعرابي الذي كشف عن فرجه ليبول، وانتهره أصحاب النبي : اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي : "لقد حجّرت واسعًا"، خرجه البخاري (٤) والترمذي (٥) وغيرهما (٦)، من الأئمة، أترى هذا الأعرابي عرف الله بالدليل والبرهان والحجة والبيان؟ وأن رحمته وسعت كل شيء، وكم من مثله محكوم له بالإيمان، بل اكتفى


(١) أي القرطبي.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ١/ ١٧، ح ٢٥؛ ومسلم في صحيحه ١/ ٥٢، ح ٢١.
(٣) ما زال القول للقرطبي.
(٤) في صحيحه ٥/ ٢٢٤٢، ح ٥٦٧٩.
(٥) في جامعه ١/ ٢٧٥، ح ١٤٧.
(٦) مسلم في صحيحه ١/ ٢٣٦، ح ٢٨٤؛ وأبو داود في سننه ١/ ١٠٣، ح ٣٨٠؛ وابن ماجه في سننه ١/ ١٧٦، ح ٥٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>