للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كثير ممن أسلم بالنطق بالشهادتين، وحتى إنه اكتفى بالإشارة في ذلك، ألا تراه لما قال للسوداء: "أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة" (١)، ولم يكن هناك نظر ولا استدلال بل حكم بإيمانهم في أول وهلة وإن كان هناك عن النظر والمعرفة غفلة، والله أعلم".

فهذه النقول كما ترى موافقة لمذهب السلف في باب الصفات، لكن مع ذلك نجد القرطبي يؤوِّل نصوص الصفات، بل وفي بعض المواضع يدعو إلى التأويل، ويرمي مثبتي الصفات ببعض العبارات المنفرة، فمن الأمثلة على ذلك ما جاء في تفسيره (٢): "قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤] ابتداء وخبر: أي بل نعمته مبسوطة، فاليد بمعنى النعمة (٣)، ويجوز أن تكون اليد في هذه الآية بمعنى القدرة أي قدرته شاملة فإن شاء وسّع وإن شاء قتّر".

ويقول في صفة الغضب: "ومعنى الغضب في صفة الله تعالى إرادة العقوبة" (٤).

وقال في كتاب التذكرة (٥): "وكل حديث اشتمل على ذكر الصوت أو النداء فهذا التأويل فيه، وأن ذلك من باب حذف المضاف، والدليل على ذلك ما ثبت من قدم كلام الله تعالى على ما هو مذكور في كتب الديانات.

فإن قال بعض الأغبياء: لا وجه لحمل الحديث على ما ذكرتموه، فإن فيه: "أنا الديان" وليس يصدر هذا القول حقًّا وصدقًا إلا من رب العالمين.

قيل له: إن المَلك إذا كان يقول عن الله تعالى وينبئ عنه فالحكم يرجع إلى رب العالمين كما بينت".


(١) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ٣٨١، ح ٥٣٧.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٦/ ١٥٥ فقرة رقم ٢٣٩.
(٣) وقد مضى قريبًا في ص (٤٢) تسمية القرطبي لمن أوّل اليد بالقدرة جهميًا.
(٤) جامع أحكام القرآن ١/ ١٠٥ فقرة رقم ١٥٠.
(٥) انظر: ص (٦٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>