للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاهبة فانية يوم القيامة، وقوله: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٨] ليس يريد به (١) طيًا بعلاج وانتصاب، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب، يقال: قد انطوى عنا ما كنا فيه وجاءنا غيره، وانطوى عنا دهر بمعنى المضي والذهاب (٢).


(١) (به) ليست في (ع) ظ).
(٢) ما ذهب إليه المصنف من تأويلات لمعنى اليد مردود، وقد خالف في ذلك السلف الذين يثبتون صفة اليد علي ما يليق بالله تعالى، قال ابن القيم في قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، وقوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ قالت الجهمية: مجاز في النعمة والقدرة، وهذا باطل من وجوه:
أحدها: أن الأصل الحقيقة، فدعوى المجاز مخالف للأصل، الوجه الثاني: أن ذلك خلاف الظاهر، فقد اتفق الأصل والظاهر على بطلان هذه الدعوى. الوجه الثالث: أن مدعي المجاز المعين يلزمه أمور أحدها: إقامة الدليل عن الحقيقة إذ مدعيها مع الأصل والظاهر، ومخالفها مخالف لهما جميعًا. ثانيها: بيان احتمال اللفظ لما ذكره من المجاز لغة وإلا كان منشئًا من عنده وضعًا جديدًا، ثالثها: احتمال ذلك المعنى في هذا السياق المعين، فليس كل ما احتمله اللفظ من حيث الجملة يحتمله هذا السياق الخاص، وهذا موضع غلط فيه من شاء الله، ولم يبين أو يميز بين ما يحتمله اللفظ بأصل اللغة وإن لم يحتمله في هذا التركيب الخاص، وبين ما يحتمله فيه. رابعها: بيان القرائن الدالة على المجاز الذي عينه بأنه المراد، إذ يستحيل أن يكون هذا هو المراد من غير قرينة في اللفظ تدل عليه البتة، وإذا طولبوا بهذه الأمور الأربعة تبين عجزهم.
الوجه الرابع: إنه ليس من المعهود أن يطلق الله على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية، بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة كقوله تعالى: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ وكقوله: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ وقد يجمع النعم كقوله: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾، وأما أن يقول: خلقتك بقدرتين أو بنعمتين، فهذا لم يقع في كلامه ولا كلام رسوله . الوجه الخامس: أن يقال: ما الذي يضركم من إثبات اليد حقيقة، وليس معكم ما ينفي ذلك من أنواع الأدلة نقليها ولا عقليها، ولا ضروريها ولا نظريها، فإن فررتم من الحقيقة خشية التشبيه ففروا من إثبات السمع والبصر والحياة والعلم والإرادة والكلام خشية هذا المحذور، ثم يقال لكم: توهمكم لزوم التشبيه والتمثيل من إثبات هذه الصفة وغيرها وهم باطل، وليس في المخلوقات يد تمسك السماوات والأرض وتطويها، ويد تقبض الأرضين السبع، ولا إصبع توضع عليها الأرض، ولا إصبع توضع عليها الجبال، فلو كان في المخلوقات يد وإصبع هذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>