وذهب عامةُ أهل العلم إلى إباحة الدفن ليلاً، وأجابوا عن حديث جابر بما ذكرنا من التعليل، واستدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة السالف برقم (٩٠٣٧) : أن إنساناً كان يقم المسجد أسودَ، فمات-أو ماتت-، ففقدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "ما فعل الإنسان الذي كان يقم المسجد؟ " فقيل له: مات، قال: "فهلا آذنتموني به" فقالوا: إنه كان ليلا. قال: "فدلوني عِلى قبرها" فأتى القبر فصلى عليها. ومثله حديث أنس برقم (١٢٥١٧) : أن أسودَ كان ينظف المسجد، فمات، فدفن ليلا، وأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبر، فقال: "انطلقوا إلى قبره". ومثله حديث ابن عباس أيضاً، السالف برقم (١٩٦٢) ، ولفظه عند البخاري (١٣٤٠) : صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل بعدما دفن بليلة، قام هو وأصحابه، وكان سأل عنه، فقال: "من هذا؟ " فقالوا: فلان، دفن البارحة، فصلوا عليه. وفي هذه الأحاديث لم ينكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفنهم بالليل، بل كان إنكاره لعدم إعلامه بأمرهم. واستدلوا أيضاً بما رواه أبو داود (٣١٦٤) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ١/٥١٣ عن جابر قال: رأى ناس ناراً في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبر، وإذا هو يقول: "ناولوني صاحبكم" فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر. وإسناده حسن. وبحديث عائشة الآتي في "المسند" ٦/٦٢ قالت: ما علما بدفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء. ومعلوم أن دفنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بحضرة أصحابه، ولم يُؤْثَر عن أحد منهم إنكارُ ذلك. واستشهدوا أيضاً بغير ذلك من الآثار الثابتة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم دفنوا ليلاً. انظر "شرح معاني الآثار" ١/٥١٣-٥١٥، و"فتح الباري" ٣/٢٠٧-٢٠٨، و"المغني" ٣/٥٠٣-٥٠٤، و"شرح مسلم"٧/١١-١٢.