للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨٢٨١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيَمُ


= بالسكين ليشقه بينهما، ولم يعزم على ذلك في الباطن، وإنما أراد استكشاف الأمر، فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدال على عظيم الشفقة، ولم يلتفت إلى إقرارها بقولها: هو ابن الكبرى، لأنه علم أنها آثرت حياته، فظهر له من قرينة شفقة الصغرى وعدمها في الكبرى -مع ما انضاف إلى ذلك من القرينة الدالَّةِ على صدقها- ما هجم به على الحكم للصغرى. ويحتمل أن يكون سليمان عليه السلام ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه، أو تكون الكبرى في تلك الحالة اعترفت بالحق
لما رأت من سليمان الجد والعزم في ذلك. ونظير هذه القصة ما لو حكم حاكم على مُدَّعِ مُنكِر بيمين، فلما مضى ليحلفه حضر من استخرج من المنكر ما اقتضى إقراره بما أراد أن يحلف على جحده، فإنه -والحالة هذه- يحكم عليه بإقراره، سواء كان ذلك قبل اليمين أو بعدها، ولا يكون ذلك من نقض الحكم الأول، ولكن من باب تبدُل الأحكام بتبدل الأسباب.
وقال ابن الجوزي: استنبط سليمان لما رأى الأمر محتملَاَ فأجاد، وكلاهما حكم بالاجتهاد، لأنه لو كان داود حكم بالنص لما ساغ لسليمان أن يحكم بخلافه. ودلت هذه القصة على أن الفطنة والفهم موهبة من الله لا تتعلق بكبر سن ولا صغره. وفيه أن الحق في جهة واحدة، وأن الأنبياء يسوغ لهم الحكم بالاجتهاد، وإن كان وجود النص ممكناً لديهم بالوحي، لكن في ذلك زيادة في أجورهم، ولعصمتهم من الخطأ في ذلك، إذ لا يقرون -لعصمتهم- على الباطل.
وقال النووي: إن سليمان فعل ذلك تحيُّلاً على إظهار الحق، فكان كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه. وفيه استعمال الحيل في الأحكام لاستخراج الحقوق، ولا يتأتى ذلك إلا بمزيد الفطنة وممارسة الأحوال.