من عدول حلب ليؤديا شهادة عند السمناني، فاشتغل بتدريس الحسن عن استماع شهادتهما حتى فرغ أبو الحسن من درسه، فشق على ذينك الشاهدين ذلك، وقالا في أنفسهما: يقدم هذا الصبي علينا ويؤخرنا فيما حضرنا فيه عنده حتى يفرغ، ففطن أبو جعفر السمناني لذلك منهما، فالتفت اليهما بعد الفراغ وقال لهما: لعلكما شق عليكما اشتغالي بهذا الصبي عنكما، والله ان دام على ما هو عليه لتشهدان بين يديه فقدر الله تعالى أن أبا الحسن تفقه وكبر، وزوجه أبو جعفر السمناني بابنته، وتوفي السمناني، وولي أبو الحسن أحمد بن أبي جرادة القضاء بحلب وأتى الشاهدان المشار اليهما وشهدا بين يديه.
أنشدني والدي لجد أبيه القاضي أبي الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى يذكر أباه ويفتخر به، وكتب الينا بهذه الابيات أبو اليمن الكندي عن أبي الحسن بن أبي جرادة قال: أنشدنا القاضي أبو الفضل لنفسه:
أنا ابن مستنبط القضايا … وموضح المشكلات حلاّ
وابن المحاريب لم تعطّل … من الكتاب العزيز يتلى
وفارس المنبر استكانت … عيدانه من حجاه ثقلا
قرأت بخط أبي المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن أبي جرادة في بعض تخاريجه، وذكر القاضي أبا الحسن أحمد بن يحيى فقال: وتوفي في أواخر سنة اثنتين (١٢٠ - ظ) وأربعين وأربعين وأربعمائة بحلب بعد نزوله من القلعة بها في الثامن من شعبان من هذه السنة، لأن معز الدولة أبا علوان ثمال بن صالح بن مرداس صاحب حلب لما خاف من ناصر الدولة أمير الجيوش أبي علي الحسن بن حمدان أن يقصده، وقد عصى على المستنصر صاحب مصر، وكانت اليه ولاية حلب، قبض أماثل الحلبيين واعتقلهم في القلعة، والقاضي في جملتهم، لئلا يسلموا البلد الى ابن حمدان، وذلك في العاشر من شهر ربيع الآخر من سنة أربعين وأربعمائة.
قرأت بخط القاضي أبي الفضل هبة الله بن القاضي أبي الحسن، أو بخط غيره، على ظهر كتاب شعر المتنبي، نسخة القاضي أبي الحسن التي قرأها على محمد بن عبد الله بن سعد، وخطه عليها، ما صورته: صعد القاضي خلّصه الله الى القلعة يوم