ان التشتت الذي لحق بابن العديم في سنوات حياته الأخيرة، ثم ما آلت اليه الحال في بلاد الشام، قد ترك أبعد الآثار على مكتبة ابن العديم مع مؤلفاته، وخاصة كتابه «بغية الطلب»، فاذا قبلنا فرضا بأن ابن العديم قد أنجز تسويد مؤلفه، من المؤكد أنه لم يتمكن من تبييضه وبالتالي لم تقم أمام الكتاب الفرصة لنسخه وتداوله.
ان من يقرأ بعض المتبقي من كتاب «بغية الطلب» يدرك عظمة ابن العديم، فيرى فيه أعظم مؤرخ أنجبته بلاد الشام بلا منازع، وبلا شك علما بارزا للغاية بين أعلام فن التأريخ الاسلامي، ومن هذا المنطلق رأيت من المتوجب العمل في سبيل تحقيق الكتاب ونشره، وبالفعل فرغت عام ١٩٧٢ من تحقيق المجلدة الأولى من الكتاب وتوزيعه ضمن شروط تصون الكتاب وتبعده عن طرائق الوراقين في النشر، فلم أوفق، وكانت القضية بحاجة الى مساعدة من جهة حكومية أو غير حكومية، ولقد رأيت في المبادرات التي تمت تجاه تاريخ ابن عساكر ما يشجع، انما بعد اطلاعي على التجربة، ملت نحو عدم طلب المساعدة الحكومية، فأنا شخصيا أرى في التراث شيئا مقدسا، انه يحوي النتاج الفكري لأمتي خلال أجيال وهذا النتاج جزء من الماضي، ولا يجوز أن نطلب من الماضي أكثر من الماضي، وانه لإثم عظيم أن يبعث بتراثنا، وانه لكفر ما بعده كفر أن يلقي التراث المعاملة التي يلقاها الآن من الوراقين ومن أنصاف المتعلمين فالذي يحل بالتراث الآن على أيديهم أعظم شناعة من جريمة هولاكو وجنده.
ومرت الايام وشغلت بالأعمال الجامعية وباخراج عدد من الكتب لكن بقي كتاب البغية ماثلا أمامي يطالبني بنشره، وسافرت الى المغرب وحملت الكتاب معي الى فاس حيث تابعت العمل في نسخه، وبعد عودتي من المغرب شغلت مجددا في اخراج عدد من الكتب، ومع حلول عيد الاضحى الماضي عقدت العزم مجددا على