للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك أبو علي بن عمار، فملكوها، وخرج منها هاربا فسلم وقصد طغد كين صاحب دمشق فأكرمه وأقطعه بلادا كثيرة.

[أبو علي الحلبي]

خطيب المسجد الأقصى، كان ورعا متدينا، وله كلام حسن مبين، أخذ عنه أبو بكر ابن العربي الإمام، صاحب كتاب الأحكام، وذكره في أول كتابه المسمى سراج المريدين (١)، فقال وإني لم أكن متخلقا بما أورده، ولا ضابطا على ما أعقده، فإن لي قدوة في شيخنا أبي علي الحلبي خطيب المسجد الاقصى، طهره الله، حضرت جمعه فيه، وقد علا على أعواد منبره فخطب: الحمد لله الذي تفرد دون خلقه بملك الدنيا والآخرة، وغمر برزقه كل نفس برة وفاجرة (١٤٠ - ظ‍) ثم ردهم بعد ذلك الى الحافرة «فإنما هي زجرة واحده. فإذا هم بالساهرة (٢)»، أحمده على نعمته الوافرة، وأشكره على آلائه المتظاهرة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة باطنه ظاهرة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ردده بين الأرحام المحصنة والأصلاب الفاخرة حتى أبرزه الله آية باهرة وابتعثه حجة قاهرة، فقام بأمر الله وشقاشق الكفر هادره، وبحاره زاخرة، ودعاته ثائرة، فلم يزل يجادل في الله بالأدلة المتناحرة، ويناضل عن دينه بالقواضب الباثرة حتى أطفأ النائرة، (٣) وأعاد العيشة الناضرة، وأصلح أمر الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وعلى الله وصحبه ما هطلت السحب الماطرة وجرت في البحار السفن الماخره.

عباد الله علوت على منبركم ولست بخيركم والله لو كانت الذنوب منظرا لكنت أفبحكم، أو ملبسا لكنت أخشنكم، أو صارت خبرا لكنت أفظعكم، أو فغمت (٤) رائحة لكنت أتفلكم، فان تكلمت فنفسي أخاطب، ولئن وعظت فإني للتوبة طالب، وفي الإثابة راغب، يدعو إليها النهى ويصرف عنها الهوى.

قال: فأنزلتها من قلبي ثالثة الإيمان، وأضمرتها في نفسي حاجة لم أقضها الى


(١) لم أستطع الوقوف على نسخة منه.
(٢) سورة النازعات-الآيتان:١٣ - ١٤.
(٣) النائرة: الفتنة.
(٤) فغم: سد خياشيمه. القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>