أخبرني أبو الطيب أحمد بن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: سمعت أبي-ويغلب على ظني انني سمعت أباه رحمه الله-يقول: كان زيد هذا من الزهاد وكان له تلميذ يخدمه، فمرض الشيخ زيد فلما دنت وفاته رأى تلميذه ذلك، وهو يبكي فقال له: لا تجزع ولا تحزن فإنك تلحقني في الجمعة الآتية، ففرح تلميذه واستبشر وأظهر السرور، فلما مات الشيخ زيد أخذ تلميذه المذكور في تجهيزه ودفنه وهو مستبشر بما ذكره له، فلم يمر عليه الا يومان أو ثلاثة حتى مرض ومات في الجمعة الآتية ودفن إلى جانب الشيخ زيد، وقبراهما إلى جانب قبر الشيخ أبي الحسين بحلب في تربة الشيخ أبي محمد بن الحداد، جعل عليهما حجارة شبيهة بالحوض، وزرتهما غير مرة.
[زيد الحوراني]
الأسود المعتوه كان عندنا بحلب، وكان رجلا كهلا، وكان لا يؤذي أحدا، وكان أكثر مقامه في أتونات الحمامات، وينام في بعض الأوقات على قارعة الطريق، وكان يلعب مع الصبيان ويميلون إليه، وكنت ألعب معه وأنا صبي، وكان يترنم ويقول لنا ونحن صبيان يا زيد الدقيق، بالقاف المعقودة، وكان حسن الأخلاق، وكان عمي أبو غانم يعتقد فيه فسألته عن سبب اعتقاده فيه فقال: كنت يوما عند الشيخ علي الفاسي في زاويته خارج باب الأربعين، فتحادثنا حديث الملائكة والاختلاف في المفاضلة (١٣٣ - و) بينهم وبين بني آدم، فقلت أنا: قد ذكر الحكيم أبو عبد الله-يعني-محمد بن علي الترمذي أن بني آدم أفضل من الملائكة وجعلت أرجح ذلك، وانفض المجلس، ودخلت المدينة بعد انفصالي عن الشيخ، فلما صرت تحت القلعة من غربيها، وجدت زيدا الحوراني جالسا على شفير الخندق، فقام ومشى إليّ وتلقاني وقال لي: أنتم خير منهم فأنا أعتقد فيه من ذلك اليوم، وتوفي زيد الحوراني في حدود الستمائة، أو قبلها أو بعدها، وكان له جنازة مشهودة، رحمه الله.